وَانْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ]
. قَوْلُهُ: (حَجَّةِ الْحَرُورِيَّةِ) هُمْ الْخَوَارِجُ، وَلَكِنَّهُمْ حَجُّوا فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَسَمَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالْخِلَافَةِ، وَنَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَذَلِكَ فِي آخِرِ أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ أَطْلَقَ عَلَى الْحَجَّاجِ وَأَتْبَاعِهِ حَرُورِيَّةً لِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الْحَقِّ، وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، وَأَنَّ الْحَرُورِيَّةَ حَجَّتْ سَنَةً أُخْرَى، وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ " حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ " وَكَانَ لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ. قَوْلُهُ: (كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَوْلُهُ: (أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً) يَعْنِي مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ إنْ صُدِدْتَ عَنْ الْبَيْت أَوْ حُصِرْتَ تَحَلَّلْتَ مِنْ الْعُمْرَةِ كَمَا تَحَلَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعُمْرَةِ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَوْجَبَ عُمْرَةً كَمَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْإِحْلَالِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ.
قَوْلُهُ: (مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ) يَعْنِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِحْصَارِ وَالْإِحْلَالِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ اكْتَفَى بِطَوَافِ الْقُدُومِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا مَا بَوَّبَ لَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْإِدْخَالُ قَبْل الشُّرُوعِ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ صَحَّ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقِيلَ: وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الطَّوَافِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ شَذَّ فَمَنَعَ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ. وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارِنَ يَقْتَصِرُ عَلَى طَوَافٍ وَاحِدٍ
وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارِنَ يُهْدِي، وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: لَا هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ. وَمِنْهَا جَوَازُ الْخُرُوجِ إلَى النُّسُكِ فِي الطَّرِيقِ الْمَظْنُونِ خَوْفَهُ إذَا رَجَا السَّلَامَةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَمِنْهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْقِيَاسَ وَيَحْتَجُّونَ بِهِ.
١٨٥٥ - (وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجٍّ مُفْرَدٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute