للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨٥٥ - (وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفٍ عَرَكَتْ حَتَّى إذَا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ الْحِلُّ كُلُّهُ، فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَجَجْتُ، قَالَ: فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

ــ

[نيل الأوطار]

وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفٍ عَرَكَتْ حَتَّى إذَا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ الْحِلُّ كُلُّهُ، فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَجَجْتُ، قَالَ: فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

قَوْلُهُ: (بِحَجٍّ مُفْرَدٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ حَجَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُفْرَدًا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُمْ أَفْرَدُوا الْحَجَّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِمَا سَلَفَ، قَوْلُهُ: (عَرَكَتْ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ: أَيْ: حَاضَتْ، يُقَالُ: عَرَكَتْ تَعْرُكُ عُرُوكًا كَقَعَدَتْ تَقْعُدُ قُعُودًا.

قَوْلُهُ: (حِلُّ مَاذَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَحَذْفِ التَّنْوِينِ لِلْإِضَافَةِ، وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ: أَيْ الْحِلُّ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ذَا، وَهَذَا السُّؤَالُ مِنْ جِهَةِ مَنْ جَوَّزَ أَنَّهُ حِلٌّ مِنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ. قَوْلُهُ: (الْحِلُّ كُلُّهُ) أَيْ: الْحِلُّ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) هُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَوْلُهُ: (أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي) . . . إلَخْ، هَذَا الْغُسْلُ قِيلَ: هُوَ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ مِنْ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى إذَا طَهَرْتِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ عُمْرَتَهَا لَمْ تَبْطُلْ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا، وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: " اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ " وَفِي بَعْضِهَا " دَعِي عُمْرَتَكِ " مُتَأَوَّلٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ: " حَتَّى إذَا طَهَرْتِ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ " يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ حَسَنَةٍ. إحْدَاهَا: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ قَارِنَةً وَلَمْ تَبْطُلْ عُمْرَتُهَا، وَأَنَّ الرَّفْضَ الْمَذْكُورَ مُتَأَوَّلٌ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ: يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ. الثَّالِثَةُ: أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ. وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا أَنْ تَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>