بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ نَحْوُهُ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ كَرَاهَةِ تَنَخُّمِ الْمُصَلِّي قِبَلَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ]
قَوْلُهُ: (نُخَامَةً) هِيَ مَا تَخْرُجُ مِنْ الصَّدْرِ وَقِيلَ: النُّخَاعَةُ بِالْعَيْنِ مِنْ الصَّدْرِ وَبِالْمِيمِ مِنْ الرَّأْسِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: (فِي الْقِبْلَةِ) وَفِي أُخْرَى لَهُ أَيْضًا (فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ) وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ. قَوْلُهُ: (فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَتَّهَا) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " فَحَكَّهُ بِيَدِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَحَكَّهُ ". وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَكِّ بِالْيَدِ أَوْ الْحَصَى أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُزِيلُ الْأَثَرَ
وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ لِلْحَكِّ بِالْيَدِ وَبَوَّبَ لِلْحَكِّ بِالْحَصَى. قَوْلُهُ: (قِبَلَ وَجْهِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ: أَيْ جِهَةَ وَجْهِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا عَنْ يَمِينِهِ) ظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا لِعَدَمِ تَقْيِيدِهِ بِحَالِ الصَّلَاةِ. وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِالْمَنْعِ فِي كُلِّ حَالَةٍ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ غَيْرِهِ
قَالَ الْحَافِظُ: وَيَشْهَدُ لِلْمَنْعِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ فِي صَلَاةٍ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: مَا بَصَقْت عَنْ يَمِينِي مُنْذُ أَسْلَمْت. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ نَهَى ابْنَهُ عَنْهُ مُطْلَقًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. وَيَدُلُّ لِمَا قَالَهُ التَّقْيِيدُ بِالصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ
قَوْلُهُ: (وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ) ظَاهِرُ هَذَا جَوَازُ الْبَصْقِ عَنْ الْيَسَارِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَدَاخِلِ الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَدَمُ جَوَازِ التَّفْلِ فِي الْمَسْجِدِ إلَى جِهَةِ الْيَسَارِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَحَاصِلُ النِّزَاعِ أَنَّ هَهُنَا عُمُومَيْنِ تَعَارَضَا وَهُمَا قَوْلُهُ: (الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ) .
وَقَوْلُهُ: " وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ " فَالنَّوَوِيُّ يَجْعَلُ الْأَوَّلَ عَامًّا وَيَخُصُّ الثَّانِيَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْقَاضِي عِيَاضٌ بِخِلَافِهِ يَجْعَلُ الثَّانِيَ عَامًّا فَيَخُصُّ الْأَوَّلَ بِمَنْ لَمْ يُرِدْ دَفْنَهَا. وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِيَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ مَكِّيٍّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوعًا: «فَمَنْ تَنَخَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيُغَيِّبْ نُخَامَتَهُ أَنْ يُصِيبَ جِلْدَ مُؤْمِنٍ أَوْ ثَوْبَهُ فَتُؤْذِيَهُ» . وَأَوْضَحُ مِنْهُ فِي الْمَقْصُودِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا. قَالَ: «مَنْ تَنَخَّعَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَدْفِنْهُ فَسَيِّئَةٌ، وَإِنْ دَفَنَهُ فَحَسَنَةٌ» فَلَمْ يُجْعَلْ سَيِّئَةً إلَّا بِقَيْدِ عَدَمِ الدَّفْنِ. وَنَحْوُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «وَوَجَدْت فِي مُسَاوِي أَعْمَالِ أُمَّتِي النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ»
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَلَمْ يُثْبِتْ لَهَا حُكْمَ السَّيِّئَةِ بِمُجَرَّدِ إيقَاعِهَا فِي الْمَسْجِدِ بِهِ وَبِتَرْكِهَا غَيْرَ مَدْفُونَةٍ انْتَهَى. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْ تَخْصِيصِ عُمُومِ قَوْلِهِ: " الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ " جَوَازُ التَّنَخُّمِ فِي الثَّوْبِ وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute