بَابُ مُخَالَطَةِ الْوَلِيِّ الْيَتِيمَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
٢٣٢٣ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] عَزَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى حَتَّى جَعَلَ الطَّعَامُ يَفْسُدُ، وَاللَّحْمُ يُنْتِنُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: فَخَالَطُوهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد)
ــ
[نيل الأوطار]
عِنْدَهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ جَوَازُ الْأَكْلِ مَعَ الْفَقْرِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا تَبْذِيرٍ وَلَا تَأَثُّلٍ، وَالْإِذْنُ بِالْأَكْلِ يَدُلُّ إطْلَاقُهُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الرَّدِّ عِنْدَ التَّمَكُّنِ، وَمَنْ ادَّعَى الْوُجُوبَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَادِرٍ) هَذَا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النساء: ٦] أَيْ: مُسْرِفِينَ وَمُبَادِرِينَ كِبَرَ الْأَيْتَامِ أَوْ لِإِسْرَافِكُمْ وَمُبَادَرَتِكُمْ كِبَرَهُمْ يُفْرِطُونَ فِي إنْفَاقِهَا وَيَقُولُونَ: نُنْفِقُ مَا نَشْتَهِي قَبْلَ أَنْ يَكْبَرَ الْيَتَامَى فَيَنْتَزِعُوهَا مِنْ أَيْدِينَا وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد " غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَذِّرٍ "
قَوْلُهُ: (وَلَا مُتَأَثِّلٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: أَثَّلَ مَالَهُ تَأْثِيلًا: زَكَّاهُ، وَأَصَّلَهُ، وَمُلْكَهُ عَظَّمَهُ، وَالْأَهْلَ كَسَاهُمْ أَفْضَلَ كِسْوَةٍ وَأَحْسَنَ إلَيْهِمْ، وَالرَّجُلُ كَثُرَ مَالُهُ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَدَّخِرُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ مَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ مَا يَأْكُلهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْمُتَأَثِّلُ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ مُشَدَّدَةٍ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ: هُوَ الْمُتَّخِذُ، وَالتَّأَثُّلُ: اتِّخَاذُ أَصْلِ الْمَالِ حَتَّى كَأَنَّهُ عِنْدَهُ قَدِيمٌ، وَأُثْلَةُ كُلِّ شَيْءٍ: أَصْلُهُ قَوْلُهُ: (إنَّهُ كَانَ يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّ وَلِيَ الْيَتِيمِ يُزَكِّي مَالَهُ وَيُعَامِلُهُ بِالْقَرْضِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ
[بَابُ مُخَالَطَةِ الْوَلِيِّ الْيَتِيمَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَفِي إسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ وَفِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا وَقَالَ أَيُّوبُ: ثِقَةٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا لَمْ يَكُنْ بِشَيْءٍ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْهُ، وَهُوَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ مَوْصُولًا، وَزَادَ فِيهِ «وَأَحَلَّ لَهُمْ خَلْطَهُمْ» وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا أَيْضًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مَعَ إرْسَالِهِ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيَّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُخَالَطَةُ أَنْ تَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِكَ وَتَأْكُلَ مِنْ قَصْعَتِهِ وَيَأْكُلَ مِنْ قَصْعَتِكَ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ، مَنْ يَتَعَمَّدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute