. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسْحِ الْحَصَى وَتَسْوِيَتِهِ]
الْحَدِيثُ الثَّانِي فِي إسْنَادِهِ أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَقَدْ صَحَّحَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَبِي الْأَحْوَصِ فِي بَابِ الِالْتِفَاتِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَنْ حُذَيْفَةَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَأَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ بِلَفْظِ الرِّوَايَةِ الْآخِرَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدَ أَيْضًا وَفِي إسْنَادِهِ شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَأَبِي يَعْلَى، وَفِي إسْنَادِهِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَفِي إسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيُّ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ الْوَزَّاعُ بْنُ نَافِعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْحَصَى، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَجَابِرٌ وَمِنْ التَّابِعِينَ مَسْرُوقٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ
وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَفِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَالِكًا لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَكَانَ يَفْعَلُهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ فِي الْمَعَالِمِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ يَفْعَلَانِهِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً
قَالَ: وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةَ وَمِنْ التَّابِعِينَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَأَبُو صَالِحٍ. وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى تَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ. قَوْلُهُ: (فَوَاحِدَةً) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رَوَيْنَاهُ بِنَصْبِ وَاحِدَةٍ وَرَفْعِهِ، فَنَصْبُهُ بِإِضْمَارِ فِعْلِ الْأَمْرِ تَقْدِيرُهُ: فَامْسَحْ وَاحِدَةً وَيَكُونُ صِفَةَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ امْسَحْ مَسْحَةً وَاحِدَةً وَرَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ تَقْدِيرُهُ: فَوَاحِدَةٌ تَكْفِيهِ.
وَفِيهِ الْإِذْنُ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ) هَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمَسْحِ أَنْ لَا يَشْغَلَ خَاطِرَهُ بِشَيْءٍ يُلْهِيهِ عَنْ الرَّحْمَةِ الْمُوَاجِهَةِ لَهُ فَيَفُوتُهُ حَظُّهُ مِنْهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُغَطِّيَ شَيْئًا مِنْ الْحَصَى بِمَسْحِهِ فَيَفُوتُهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ. قَالَ: " إذَا سَجَدْت فَلَا تَمْسَحْ الْحَصَى، فَإِنَّ كُلَّ حَصَاةٍ تُحِبُّ أَنْ يُسْجَدَ عَلَيْهَا " وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّوَاضُعَ وَيَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَمْسَحُ الْحَصَى) التَّقْيِيدُ بِالْحَصَى خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِكَوْنِهِ كَانَ الْغَالِبَ عَلَى فُرُشِ مَسَاجِدِهِمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ وَالرَّمْلِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُعَيْقِيبٍ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابِ
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ " الدُّخُولُ فِيهَا فَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْ مَسْحِ الْحَصَى إلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ، يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ إلَّا بِالدُّخُولِ فِيهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيُرَجِّحُهُ حَدِيثُ مُعَيْقِيبٍ فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute