٥٥ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «تُصُدِّقَ عَلَى مُولَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ قَالَ فِيهِ: عَنْ مَيْمُونَةَ، جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهَا وَلَيْسَ فِيهِ لِلْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيُّ ذِكْرُ الدِّبَاغِ بِحَالٍ، وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: إنَّ دَاجِنًا لِمَيْمُونَةَ مَاتَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا أَلَا دَبَغْتُمُوهُ فَإِنَّهُ ذَكَاتُهُ» . وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ إنَّمَا يَعْمَلُ فِيمَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَعَ غَيْرِهِ وَقَالَ: هَذِهِ أَسَانِيدُ صِحَاحٌ)
ــ
[نيل الأوطار]
الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ جُلُودِ النُّمُورِ وَاسْتِصْحَابُهَا فِي السَّفَرِ وَإِدْخَالُهَا الْبُيُوتِ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْمَلَائِكَةِ لِلرُّفْقَةِ الَّتِي فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجَامِعُ جَمَاعَةً أَوْ مَنْزِلًا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ إلَّا لِعَدَمِ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا، كَمَا وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، وَجُعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ التَّصَاوِيرِ وَجَعْلِهَا فِي الْبُيُوتِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يَدُلَّانِ عَلَى قُوَّةِ تَفْسِيرِ الْمِيثَرَةِ بِجُلُودِ السِّبَاعِ.
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ اسْتَدَلَّ بِهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى عَلَى أَنَّ جُلُودَ السِّبَاعِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ لِمَا يَبْقَى عَلَيْهَا مِنْ الشَّعْرِ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّهْيَ عَمَّا لَمْ يُدْبَغْ مِنْهَا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ أَوْ أَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ أَنَّهَا مَرَاكِبُ أَهْلِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُطَهِّرُ جُلُودَ السِّبَاعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّ الدِّبَاغَ مُطَهِّرٌ عَلَى الْعُمُومِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهَا مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَافْتِرَاشِهَا وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ كَمَا لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَنَجَاسَتِهِمَا فَلَا مُعَارَضَةَ بَلْ يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ بِالدِّبَاغِ مَعَ مَنْعِ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ أَعَمُّ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ وَجْهٍ لِشُمُولِهَا لِمَا كَانَ مَدْبُوغًا مِنْ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَمَا كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ النُّصُوصُ تَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ جِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فِي الْيَابِسَاتِ، وَتَمْنَعُ بِعُمُومِهَا طَهَارَتَهُ بِذَكَاةٍ أَوْ دِبَاغٍ انْتَهَى.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي تَطْهِيرِ الدَّبَّاغِ]
فِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي إسْنَادِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَعَنْ مَيْمُونَةَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute