بَابُ الْأَكْلِ مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالتَّطَوُّعِ
٢٠٩٠ - (فِي صِفَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ: «حَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا»
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْهَدْيِ يَعْطَبُ قَبْلَ الْمَحَلِّ]
حَدِيثُ نَاجِيَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ لَا يَأْكُلُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهُ وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالُوا: إنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا غُرِّمَ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا. . . إلَخْ) إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ بِأَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَهُ قَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِ رُفْقَتك) قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّفْقَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ الَّذِينَ يُخَالِطُونَ الْمُهْدِي فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ دُونَ بَاقِي الْقَافِلَةِ وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّفْقَةِ جَمِيعُ الْقَافِلَةِ
؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي مُنِعَتْ بِهِ الرُّفْقَةُ هُوَ خَوْفُ تَعْطِيبِهِمْ إيَّاهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ الْقَافِلَةِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ تُجَوِّزُوا لِأَهْلِ الْقَافِلَةِ أَكْلَهُ وَقُلْتُمْ بِتَرْكِهِ فِي الْبَرِيَّةِ كَانَ طُعْمَةً لِلسِّبَاعِ وَهَذَا إضَاعَةُ مَالٍ قُلْنَا: لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةٌ بَلْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَنَّ سُكَّانَ الْبَوَادِي يَتَتَبَّعُونَ مَنَازِلَ الْحَجِيجِ لِالْتِقَاطِ سَاقِطَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ تَأْتِي قَافِلَةٌ فِي إثْرِ قَافِلَةٍ وَالرُّفْقَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ: (وَخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ) هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَنْ عَدَا الْمَالِكِ وَالرُّفْقَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (إنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هُوَ نَاجِيَةُ الْخُزَاعِيُّ الْمَذْكُورُ سَابِقًا.
وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْهَدْيَ إذَا عَطِبَ جَازَ نَحْرُهُ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهُ غَيْرَ الرُّفْقَةِ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ وَهِيَ أَنْ يَتَوَصَّلَ بَعْضُهُمْ إلَى نَحْرِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْفَرْضِ وَخَصَّصَهُ مَنْ تَقَدَّمَ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ هُوَ هَدْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي بَعَثَ بِهِ وَهُوَ هَدْيُ تَطَوُّعٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ اهـ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي مِقْدَارِ الْبُدْنِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهَا سِتَّ عَشْرَةَ بَدَنَةً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ أَوْ يُصَارُ إلَى تَرْجِيحِ الرِّوَايَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الزِّيَادَةِ إنْ كَانَتْ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute