بَابٌ فِي أَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ
٢٢٤٩ - (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِجِنْسٍ غَيْرِ التَّمْرِ لَجَازَ) .
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ. قَوْلُهُ: (رَجُلًا) صَرَّحَ أَبُو عَوَانَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ اسْمَهُ سَوَادُ بْنُ غَزِيَّةَ بِمُعْجَمَةِ فَزَايٍ فَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ كَعَطِيَّةٍ.
قَوْلُهُ: (جَنِيبٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ: هُوَ الطَّيِّبُ، وَقِيلَ: الصَّلْبُ، وَقِيلَ: مَا أُخْرِجَ مِنْهُ حَشَفُهُ وَرَدِيئُهُ، وَقِيلَ: مَا لَا يَخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: إنَّ الْجَنِيبَ تَمْرٌ جَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (بِعْ الْجَمْعَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: هُوَ التَّمْرُ الْمُخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: هُوَ الدَّقَلُ أَوْ صِنْفٌ مِنْ التَّمْرِ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَدِيءِ الْجِنْسِ بِجَيِّدِهِ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ وَأَمَّا سُكُوتُ الرُّوَاةِ عَنْ فَسْخِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ إمَّا ذُهُولًا وَإِمَّا اكْتِفَاءً بِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هَذَا هُوَ الرِّبَا» فَرَدَّهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ أَيْضًا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِ الْجَمْعِ جَنِيبًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَائِعُ الْجَنِيبِ مِنْهُ هُوَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْجَمْعَ، فَيَكُونَ قَدْ عَادَتْ إلَيْهِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي هِيَ عَيْنُ مَالِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْجَنِيبَ مِنْ غَيْرِ مَنْ بَاعَ مِنْهُ الْجَمْعَ، وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ يُنْزَلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ لَا يَشْمَلُ، فَإِذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ تِلْكَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَيْعِ الْعِينَةِ قَوْلُهُ: (وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْمَكِيلِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْجِنْسِ مِنْهُ بِبَعْضِهِ مُتَفَاضِلًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بَلْ يُبَاعُ رَدِيئُهُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُشْتَرَى بِهَذَا الْجَيِّدُ وَالْمُرَادُ بِالْمِيزَانِ هُنَا الْمَوْزُونُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ حُجَّةٌ فِي جَرَيَانِ الرِّبَا فِي الْمَوْزُونَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ (فِي الْمِيزَانِ) أَيْ: فِي الْمَوْزُونِ وَإِلَّا فَنَفْسُ الْمِيزَانِ لَيْسَتْ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا انْتَهَى.
[بَابٌ فِي أَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ]
قَوْلُهُ: (الصُّبْرَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالصُّبْرَةُ بِالضَّمِّ مَا جُمِعَ مِنْ الطَّعَامِ بِلَا كَيْلٍ وَوَزْنٍ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلصُّبْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهَا صُبْرَةٌ إلَّا إذَا كَانَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute