للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَزَّ وَجَلَّ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ أَوْ قَتَلَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ نَحْوُهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هُجْتُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يُصِيبُ حَدًّا ثُمَّ يَلْجَأُ إلَى الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ حَكَاهُمَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ هَلْ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ وَالْحُدُودُ فِي الْحَرَمِ أَمْ لَا]

حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَحَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ الْآخَرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «أَبْغَضُ النَّاسِ إلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُتَّبِعٌ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً جَاهِلِيَّةً، وَمُطَّلِبُ دَمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهْرِيقَ دَمَهُ» وَالْمُلْحِدُ فِي الْأَصْلِ: هُوَ الْمَائِلُ عَنْ الْحَقِّ. وَأَخْرَجَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ عَطَاءَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «قُتِلَ رَجُلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ، يَعْنِي فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْتَى عَلَى اللَّهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ بِذَحْلٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ. . . إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَرْحُهُ فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ مِنْ أَبْوَابِ الْحَجّ قَوْلُهُ: (إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ) هُوَ الْحَيَوَانُ الْمَشْهُورُ، وَأَشَارَ بِحَبْسِهِ عَنْ مَكَّةَ إلَى قَضِيَّةِ الْحَبَشَةِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ سَاقَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ مَبْسُوطَةً.

وَحَاصِلُ مَا سَاقَهُ أَنَّ أَبْرَهَةَ الْحَبَشِيَّ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الْيَمَنِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا بَنَى كَنِيسَةً وَأَلْزَمَ النَّاسَ بِالْحَجِّ إلَيْهَا، فَعَمَدَ بَعْضُ الْعَرَبِ فَاسْتَغْفَلَ الْحَجَبَةَ وَتَغَوَّطَ وَهَرَبَ، فَغَضِبَ أَبْرَهَةُ وَعَزَمَ عَلَى تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ، فَتَجَهَّزَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ فِيلًا عَظِيمًا، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ خَرَجَ إلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَأَعْظَمَهُ، وَكَانَ جَمِيلَ الْهَيْئَةِ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ إبِلًا نُهِبَتْ، فَاسْتَقْصَرَ هِمَّتَهُ وَقَالَ: لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ لَا تَسْأَلُنِي إلَّا فِي الْأَمْرِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ، فَقَالَ: إنَّ لِهَذَا الْبَيْتِ رَبًّا سَيَحْمِيهِ، فَأَعَادَ إلَيْهِ إبِلَهُ، وَتَقَدَّمَ أَبْرَهَةُ بِجُيُوشِهِ فَقَدَّمُوا الْفِيلَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ: حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، فَأَلْقَتْهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا أُصِيبَ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَصْحَابُ الْفِيلِ حَتَّى نَزَلُوا الصِّفَاحَ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَاءٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ: مَوْضِعٌ خَارِجَ مَكَّةَ مِنْ جِهَةِ طَرِيقِ الْيَمَنِ، فَأَتَاهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: إنَّ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ لَمْ يُسَلِّطْ عَلَيْهِ أَحَدًا، فَقَالُوا: لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَهْدِمَهُ، فَكَانُوا لَا يُقَدِّمُونَ الْفِيلَ قِبَلَهُ إلَّا تَأَخَّرَ، فَدَعَا اللَّهُ الطَّيْرَ الْأَبَابِيلَ فَأَعْطَاهَا حِجَارَةً سَوْدَاءَ، فَلَمَّا حَاذَتْهُمْ رَمَتْهُمْ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا أَخَذَتْهُ الْحَكَّةُ، فَكَانَ لَا يَحُكُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ جِلْدَهُ إلَّا تَسَاقَطَ لَحْمُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>