للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٢٧ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ)

بَابُ الِاقْتِصَادِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ

٦٢٨ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أُمِرْت بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد) .

ــ

[نيل الأوطار]

عَلَى بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَفَضْلِ الْمَسْجِدِ عَلَى بُيُوتِ الدُّنْيَا انْتَهَى

قَالَ الْحَافِظُ: لَفْظُ الْمِثْلِ لَهُ اسْتِعْمَالَانِ أَحَدُهُمَا الْإِفْرَادُ مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: ٤٧] الْآخَرُ الْمُطَابَقَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: ٣٨] فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ أَبْنِيَةً مُتَعَدِّدَةً فَيَحْصُلُ جَوَابُ مَنْ اسْتَشْكَلَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ مِثْلُهُ مَعَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَنَى اللَّهُ لَهُ عَشَرَةَ أَبْنِيَةٍ مِثْلَهُ. وَأَمَّا مَنْ أَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] فَفِيهِ بُعْدٌ. وَكَذَا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَاحِدِ لَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ قَالَ وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُرْضِيَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ هُنَا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ وَالزِّيَادَةِ حَاصِلَةٌ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ خَيْرٍ مِنْ عَشَرَةٍ بَلْ مِنْ مِائَةٍ وَهَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ هُوَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. وَقِيلَ: إنَّ الْمِثْلِيَّةَ هِيَ أَنَّ جَزَاءَ هَذِهِ الْحَسَنَةِ مِنْ جِنْسِ الْبِنَاءِ لَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ حَاصِلٌ قَطْعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ضِيقِ الدُّنْيَا وَسِعَةِ الْجَنَّةِ. قَالَ فِي الْمُفْهِمِ: هَذَا الْبَيْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِثْلُ بَيْتِ خَدِيجَةَ الَّذِي قَالَ فِيهِ: " إنَّهُ مِنْ قَصَبٍ " يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ قَصَبِ الزُّمُرُّدِ وَالْيَاقُوتِ انْتَهَى

٦٢٧ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ) الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ تَخْرِيجًا وَتَفْسِيرًا قَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي شَرْحِ الَّذِي قَبْلَهُ.

[بَابُ الِاقْتِصَادِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ]

الْحَدِيثُ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، لِأَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ وَهُوَ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ الْكُوفِيُّ. وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ هُوَ الْعَامِرِيُّ التَّابِعِيُّ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ تَعْلِيقًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ الْمَرْفُوعَ لِلِاخْتِلَافِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ قَالَهُ الْحَافِظُ. قَوْلُهُ: (مَا أُمِرْت) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ) قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: التَّشْيِيدُ رَفْعُ الْبِنَاءِ وَتَطْوِيلُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: ٧٨] وَهِيَ الَّتِي طُوِّلَ بِنَاؤُهَا، يُقَالُ شِدْت الشَّيْءَ أَشِيدُهُ مِثْلُ بِعْته أَبِيعُهُ إذَا بَنَيْته بِالشِّيدِ وَهُوَ الْجَصُّ وَشَيَّدْته تَشْيِيدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>