للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٩٠٨ - (عَنْ «كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا كَعْبُ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا وَأَوْمَأَ إلَيْهِ: أَيْ الشَّطْرَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ مَنْ قِيلَ: لَهُ: بِعْ، أَوْ: هَبْ، أَوْ: أَبِرَّ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنَّ الْإِيمَاءَ الْمَفْهُومَ يَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ) .

بَابُ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا

ــ

[نيل الأوطار]

أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَ رَجُلًا بِأَنَّهُ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَّى وَرَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَكَرَّرَ كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَكَانٍ مِنْ الْحُسْنِ وَالْقَبُولِ. وَأَمَّا تَكْرِيرُ التَّسْلِيمِ فَلَعَلَّهُ التَّسْلِيمُ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِئْذَانُ، وَقَدْ ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ تَكْرِيرِهِ لِإِيقَاظِ رَبِّ الْمَنْزِلِ الَّذِي وَقَعَ الِاسْتِئْذَانُ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ كَانَ يُكَرِّرُ السَّلَامَ الْوَاقِعَ لِمَحْضِ التَّحِيَّةِ مَثَلًا لَا يَلْقَى رَجُلًا فِي طَرِيقٍ فَيَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. .

[بَابُ الْحَاكِمِ يَشْفَعُ لِلْخَصْمِ وَيَسْتَوْضِعُ لَهُ]

قَوْلُهُ: (سِجْفَ حُجْرَتِهِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْجِيمِ وَهُوَ السِّتْرُ، وَقِيلَ الرَّقِيقُ مِنْهُ يَكُونُ فِي مُقَدَّمِ الْبَيْتِ، وَلَا يُسَمَّى سِجْفًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْقُوقَ الْوَسَطِ كَالْمِصْرَاعَيْنِ، وَالْحُجْرَةُ مَا يَجْعَلُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ حَاجِزًا فِي بَيْتِهِ قَوْلُهُ: (ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا وَأَوْمَأَ إلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ الْمُفْهِمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ فَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَخْرَسِ وَشِرَاؤُهُ وَإِجَارَتُهُ وَسَائِرِ عُقُودِهِ إذَا فُهِمَ ذَلِكَ عَنْهُ قَوْلُهُ: (أَيْ الشَّطْرَ) هُوَ النِّصْفُ عَلَى الْمَشْهُورِ

وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّطْرَ يُطْلَقُ عَلَى الْجُزْءِ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْوَاقِعِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِرْشَادُ إلَى الصُّلْحِ وَالشَّفَاعَةِ فِي تَرْكِ بَعْضِ الدَّيْنِ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ الصُّلْحِ وَحُسْنُ التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ قَوْلُهُ: (قَدْ فَعَلْتُ. . . إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي نِزَاعِهِمَا فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ كَأَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِقْدَارًا زَائِدًا عَلَى مَا يُقِرُّ بِهِ الْمَدْيُونُ، فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَضَعَ الشَّطْرَ مِنْ الْمِقْدَارِ الَّذِي ادَّعَاهُ فَيَكُونُ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ عَنْ إنْكَارٍ، وَيَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّقَاضِي بِاعْتِبَارِ حُلُولِ الْأَجَلِ وَعَدَمِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى مِقْدَارِ أَصْلِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>