للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ صِفَةِ الْغُسْلِ.

٣٢٩ - (عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ وَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» . أَخْرَجَاهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدَيْهِ شَعْرَهُ حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) .

ــ

[نيل الأوطار]

عَلَى تَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِهِ.

[بَابُ صِفَةِ الْغُسْلِ]

قَوْلُهُ: (إذَا اغْتَسَلَ) أَيْ أَرَادَ ذَلِكَ. وَفِي الْفَتْحِ أَيْ شَرَعَ فِي الْفِعْل. قَوْلُهُ: (وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) فِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً بِحَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَعَ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكْتَفِي بِغَسْلِهَا فِي الْوُضُوءِ عَنْ إعَادَتِهِ وَعَلَى هَذَا فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ عُضْوٍ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَشْرِيفًا لَهَا وَلِتَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الدَّاوُدِيُّ شَارِحُ الْمُخْتَصَرِ، وَنَقَلَ ابْن بَطَّالٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ مَعَ الْغُسْلِ وَهُوَ مَرْدُودٌ، فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمَا إلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَنُوبُ عَنْ الْوُضُوءِ لِلْمُحْدِثِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرُ الْعِتْرَةِ، وَإِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَعْنِي عَدَم وُجُوبِ الْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ وَدُخُولِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى تَحْت الْكُبْرَى، ذَهَبَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَلَا شَكَّ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْوُضُوءِ مُقَدَّمًا عَلَى الْغُسْلِ كَمَا ثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ.

وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَالْفِعْلُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَنْتَهِضُ لِلْوُجُوبِ، نَعَمْ يُمْكِنُ تَأْيِيدُ الْقَوْلِ الثَّانِي بِالْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (فِي أُصُولِ الشَّعْرِ) أَيْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ (يُخَلِّلُ بِهَا شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ) ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ: احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى تَخْلِيلِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ إمَّا لِعُمُومِ قَوْلِهِ أُصُولِ الشَّعْرِ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي الْغُسْلِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُسْتَحَبُّ التَّكْرَارُ فِي الْغُسْلِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَحَمَلَ التَّثْلِيثَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ غَرْفَةٍ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ الْأَوَّلَ وَقَعَ بِدُونِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>