للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ قَالَ: جَلَدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ ثَمَانِينَ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَدْرَكْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَالْخُلَفَاءَ هَلُمَّ جَرًّا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]

حَدِيثُ عَائِشَةَ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مَرَّةً وَأَرْسَلَهُ أُخْرَى، انْتَهَى. وَقَدْ عَنْعَنَ هَهُنَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ لِتَدْلِيسِهِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْحَدِيثِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

وَالْأَثَرُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَاهُ أَيْضًا الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ. قَوْلُهَا: (لَمَا أُنْزِلَ عُذْرِي) أَيْ بَرَاءَتِي مِمَّا نَسَبَ إلَيَّ أَهْلُ الْإِفْكِ. قَوْله تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِالْمُنْزَلِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ} [النور: ١١] إلَى قَوْلِهِ: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: ٢٦] هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور: ١٩] وَعَنْ الزُّهْرِيِّ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٢٢] . قَوْلُهُ: (أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ) الرَّجُلَانِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحٌ، وَالْمَرْأَةُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ حَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ. وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى الْمَاوَرْدِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُدَّ قَذَفَةَ عَائِشَةَ، وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ إلَّا تَوَهُّمُ أَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ، وَغَفَلَ عَنْ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ الْمُصَرِّحِ بِكَذِبِهِمْ، وَصِحَّةُ الْكَذِبِ تَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْحَدِّ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ثُبُوتِ حَدِّ الْقَذْفِ. وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ حَدَّهُ ثَمَانُونَ جَلْدَةً لِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُنَصَّفُ الْحَدُّ لِلْعَبْدِ أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى الْأَوَّلِ، وَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَاللَّيْثُ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ لَا يُنَصَّفُ لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مُخَصَّصٌ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدِّ الزِّنَى، وَيُؤَيِّدُهُ فِعْلُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَدْ تُعُقِّبَ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ بِأَنَّ حَدَّ الزِّنَى إنَّمَا نُصِّفَ فِي الْعَبْدِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِفَّةِ وَحَيْلُولَةِ الْمِلْكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحَصُّنِ بِخِلَافِ الْحُرِّ، وَبِأَنَّ الْقَذْفَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَهُوَ أَغْلَظُ

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَاذِفِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِ. وَلَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ نَازَعَ الْجَلَالُ فِي وُجُوبِهِ عَلَى قَاذِفِ الرَّجُلِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِمَا تَقَدَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللِّعَانِ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ لِقَذْفِهِ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ، وَلَمْ يَحُدَّ أَهْلَ الْإِفْكِ إلَّا لِعَائِشَةَ فَقَطْ لَا لِصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطِّلِ، وَلَوْ كَانَ يَجِبُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>