للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

٢٩٢٤ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمَّا أُنْزِلَ عُذْرِي قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلَا الْقُرْآنَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ) .

٢٩٢٥ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

الْمُقَوِّيَةِ لِلْعَمَلِ بِالْقَافَةِ حَدِيثُ الْمُلَاعَنَةِ الْمُتَقَدِّمُ حَيْثُ أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى كَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى كَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُشَابَهَةِ. لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا لَمَا لَاعَنَ بَعْدَ أَنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ مُشَابِهًا لِأَحَدِ الرِّجَالِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: " لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ " لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ النَّسَبَ كَانَ ثَابِتًا بِالْفِرَاشِ وَهُوَ أَقْوَى مَا يَثْبُتُ بِهِ، فَلَا تُعَارِضُهُ الْقَافَةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ مَعَ الِاحْتِمَالِ فَقَطْ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ وُجُودِ الْأَيْمَانِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَلَمْ يُشْرَعْ فِي اللِّعَانِ غَيْرُهَا، وَلِهَذَا جَعَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَانِعَةً مِنْ الْعَمَلِ بِالْقَافَةِ، وَفِي ذَلِكَ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ مَعَ عَدَمِهَا

وَمِنْ الْمُؤَيِّدَاتِ لِلْعَمَلِ بِالْقَافَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ حَيْثُ قَالَتْ: " أَوْ تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ: فِيمَ يَكُونُ الشَّبَهُ " وَقَالَ: " إنَّ مَاءَ الرَّجُلِ إذَا سَبَقَ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ " الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ. لَا يُقَالُ: إنَّ بَيَانَ سَبَبِ الشَّبَهِ لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْإِلْحَاقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ إخْبَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ مَنَاطٌ شَرْعِيٌّ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلْإِخْبَارِ فَائِدَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا. وَأَمَّا عَدَمُ تَمْكِينِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ وَلَدَهُ أَسْوَدُ مِنْ اللِّعَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلِمُخَالَفَتِهِ لِمَا يَقْضِيهِ الْفِرَاشُ الَّذِي لَا يُعَارِضُهُ الْعَمَلُ بِالشَّبَهِ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ حَدِيثِ الْعَمَلِ بِالْقَافَةِ وَحَدِيثِ الْعَمَلِ بِالْقُرْعَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ فَأَيُّهُمَا حَصَلَ وَقَعَ بِهِ الْإِلْحَاقُ، فَإِنْ حَصَلَا مَعًا فَمَعَ الِاتِّفَاقِ لَا إشْكَالَ، وَمَعَ الِاخْتِلَافِ الظَّاهِرُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ وَلَا يَنْقُضُهُ طَرِيقٌ آخَرُ يَحْصُلُ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (دَخَلَ قَائِفٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْقَائِفُ: مَنْ يَعْرِفُ الْآثَارَ، وَالْجَمْعُ قَافَةٌ، وَقَافَ أَثَرَهُ: تَبِعَهُ، كَقَفَاهُ وَاقْتَفَاهُ، انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>