بَابُ حُكْمِ الْهِلَالِ إذَا غُمَّ ثُمَّ عُلِمَ بِهِ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ
١٣٠٤ - (عَنْ عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا «غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ، وَأَنْ يَخْرُجُوا لَعِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ حُكْمِ الْهِلَالِ إذَا غُمَّ ثُمَّ عُلِمَ بِهِ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ السَّكَنِ وَابْنُ حَزْمٍ وَالْخَطَّابِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ، وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَبُو عُمَيْرٍ مَجْهُولٌ. قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا قَالَ وَقَدْ عَرَّفَهُ مَنْ صَحَّحَ لَهُ. اهـ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْ عُمَيْرٍ لَعَلَّهُ مِنْ سَقْطِ الْقَلَمِ، وَهُوَ أَبُو عُمَيْرٍ كَمَا فِي سَائِرِ كُتُبِ هَذَا الْفَنِّ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْعِيدُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ صَلَاتِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ: وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ وَقَيَّدَ ذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِلَّبْسِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ كَوْنَ التَّرْكِ لِلَّبْسِ إنَّمَا هُوَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ لَا لِلرَّكْبِ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الصَّلَاةَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ عَمْدًا بَعْدَ رُؤْيَتِهِمْ لِلْهِلَالِ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ عُذْرِ اللَّبْسِ وَغَيْرِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْبَاقُونَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْن اللَّبْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ إمَّا لِذَلِكَ وَإِمَّا قِيَاسًا لَهَا عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ.
وَرَوَى الْخَطَّابِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِالْعِيدِ قَبْل الزَّوَالِ صَلَّوْا، وَإِلَّا لَمْ يُصَلُّوا يَوْمَهُمْ وَلَا مِنْ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي وَقْتٍ فَلَا يُعْمَلُ فِي غَيْرِهِ، قَالَ: وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ. وَحَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحِيحٌ فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ وَاجِبٌ. اهـ.
وَحَكَى فِي شَرْحَ الْقُدُورِيُّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُصَلُّوهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوهَا فِيهِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ سَقَطَتْ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. وَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي عِيدِ الْفِطْرِ، فَمَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ أَلْحَقَ بِهِ عِيدَ الْأَضْحَى وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّكْبِ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الْمُصَلَّى لِصَلَاةِ الْعِيدِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute