أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: «كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَقَالَ: يَا بِلَالُ إنْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ آتِ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَتْ الْعَصْرُ أَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ»
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْإِمَامِ يَنْتَقِلُ مَأْمُومًا إذَا اسْتَخْلَفَ فَحَضَرَ مُسْتَخْلِفُهُ]
قَوْلُهُ: (ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) أَيْ ابْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، وَالْأَوْسُ أَحَدُ قَبِيلَتَيْ الْأَنْصَارِ، وَهُمَا الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَبَنُو عَمْرِو بْن عَوْفٍ بَطْنٌ كَبِيرٌ مِنْ الْأَوْسِ. وَسَبَبُ ذَهَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ نَحْوَهَا الْبُخَارِيُّ فِي الصُّلْحِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ " أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَقَالَ: اذْهَبُوا نُصْلِحْ بَيْنُهُمْ " وَلَهُ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ غَسَّانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ " فَخَرَجَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ " وَلَهُ أَيْضًا فِي الْأَحْكَامِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ " أَنَّ تَوَجُّهَهُ كَانَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ " وَلِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّ الْخَبَرَ جَاءَ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَذَّنَ بِلَالٌ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ.
قَوْلُهُ: (فَحَانَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ صَحِيحِهِ قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ؟) فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَأْمُرَ أَبَا بَكْرٍ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَخْرَجَ نَحْوَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ اسْتَفْهَمَهُ: هَلْ نُبَادِرُ أَوَّلَ الْوَقْتِ، أَوْ نَنْتَظِرُ مَجِيءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَجَّحَ أَبُو بَكْرٍ الْمُبَادَرَةَ لِأَنَّهَا فَضِيلَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَلَا تُتْرَك لِفَضِيلَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَأُقِيمَ) بِالنَّصْبِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ، وَيَجُوز الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ قَوْلُهُ: (قَالَ: نَعَمْ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " إنْ شِئْتُ " وَإِنَّمَا فَوَّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ زِيَادَةٌ عِلْمَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَاسْتَفْتَحَ أَبُو بَكْرٍ ".
وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ سَبَبِ اسْتِمْرَارِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الِاسْتِمْرَارِ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ قَدْ مَضَى مُعْظَمُ الصَّلَاةِ فَحَسُنَ الِاسْتِمْرَارُ، وَهُنَا لَمْ يَمْضِ إلَّا الْيَسِيرُ فَلَمْ يَحْسُنْ، قَوْلُهُ: (فَتَخَلَّصَ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " جَاءَ يَمْشِي حَتَّى قَامَ عِنْدَ الصَّفِّ " وَلِمُسْلِمٍ " فَخَرَقَ الصُّفُوفَ " قَوْلُهُ: (فَصَفَّقَ النَّاسُ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيقِ " قَالَ سَهْلٌ: أَتَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ؟ هُوَ التَّصْفِيقُ، وَفِيهِ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ: (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ) .
قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute