بَابُ الْإِمَامِ يَنْتَقِلُ مَأْمُومًا إذَا اسْتَخْلَفَ فَحَضَرَ مُسْتَخْلِفُهُ
١٠٦٢ - (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ
ــ
[نيل الأوطار]
فَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ لِاسْتِثْنَائِهَا وَمَا يَتَعَلَّق بِالْمَسْجِدِ كَتَحِيَّةٍ وَهَلْ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا وَجَبَ لِعَارِضٍ كَالْمَنْذُورَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَرْءِ: جِنْسُ الرَّجُلِ، فَلَا يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ النِّسَاءُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ صَلَاتَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ الْمَكْتُوبَةَ وَغَيْرَهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِنَّ فِي الْمَسَاجِدِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّمَا حَثَّ عَلَى النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَخْفَى، وَلِيَتَبَرَّكَ الْبَيْتُ بِذَلِكَ وَتَنْزِلُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَعَلَى هَذَا يُمْكِن أَنْ يُخْرِجَ قَوْلُهُ: " فِي بَيْتِهِ " غَيْرَهُ وَلَوْ أُمِنَ فِيهِ مِنْ الرِّيَاءِ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْمَكْتُوبَةُ) الْمُرَادُ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، قِيلَ: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا وَجَبَ بِعَارِضٍ كَالْمَنْذُورَةِ قَوْلُهُ: (فِي حُجْرَتِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ حُجْرَةُ بَيْتِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ جِدَارِ الْحُجْرَةِ.
وَأَوْضَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ بِلَفْظِ: «كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْحُجْرَةُ الَّتِي احْتَجَرَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِالْحَصِيرِ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَلِأَبِي دَاوُد وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي نَصَبَتْ لَهُ الْحَصِيرَ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّعَدُّدِ أَوْ عَلَى الْمَجَازِ فِي الْجِدَارِ وَفِي نِسْبَةِ الْحُجْرَةِ إلَيْهَا. وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى مَا بَوَّبَ لَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ جَوَازِ انْتِقَالِ الْمُنْفَرِدِ إمَامًا فِي النَّوَافِلِ وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهَا لِعَدَمِ الْفَارِقِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ انْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ بِاثْنَيْنِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ.
الْمَذْكُورِ عَلَى جَوَاز أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْمُؤْتَمِّينَ بِهِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute