للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ هَلْ يُفْطِرُ فِيهِ، وَمَتَى يُفْطِرُ؟

١٦٨٨ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ إلَى حُنَيْنٌ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَوْ رَاحَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ النَّاسُ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ أَفْطِرُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)

١٦٨٩ - (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا وَقَدْ رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ، فَقُلْتُ لَهُ: سُنَّةٌ؟ فَقَالَ: سُنَّةٌ ثُمَّ رَكِبَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

١٦٩٠ - (وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: «رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بُصْرَةَ الْغِفَارِيِّ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَدَفَعَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: اقْتَرِبْ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ بَيْنَ الْبُيُوتِ؟ فَقَالَ أَبُو بُصْرَةَ: أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد)

ــ

[نيل الأوطار]

إنِّي رَاكِبٌ) يَعْنِي إنِّي أَيْسَرُكُمْ مَشَقَّةً ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " إنِّي رَاكِبٌ " قَوْلُهُ: (فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ) أَيْ فِي أَوَّلِ الظَّهِيرَةِ.

قَالَ فِي الْقَامُوسِ: نَحْرُ النَّهَارِ وَالشَّهْرِ أَوَّلُهُ، الْجَمْعُ نُحُورٌ انْتَهَى قَوْلُهُ: (تَتُوقُ أَنْفُسُهُمْ) أَيْ تَشْتَاقُ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَاقَ إلَيْهِ تَوْقًا وَتُؤُوقًا وَتِيَاقَةً وَتَوَقَانًا: اشْتَاقَ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " فَرَفَعَهُ إلَى يَدِهِ " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّ الرَّفْعَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ. وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمَعْنَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ إلَى أَقْصَى طُولِ يَدِهِ: أَيْ انْتَهَى الرَّفْعُ إلَى أَقْصَى غَايَتِهَا.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " فَرَفَعَهُ إلَى فِيهِ " قَوْلُهُ: (حَتَّى رَآهُ النَّاسُ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " لِيَرَاهُ النَّاسُ " وَفِيهِ رِوَايَةٌ لِلْمُسْتَمْلِي " لِيُرِيَهُ " بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَالنَّاسَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ.

[بَابُ مَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ هَلْ يُفْطِرُ فِيهِ وَمَتَى يُفْطِرُ]

. هَذَا أَحَدُ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهَا، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْإِفْطَارُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّفَرِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: " فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ. . . إلَخْ " وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَصْبَحَ فِي حَضَرٍ مُسَافِرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَفْطَرَ يَوْمَ الْكَدِيدِ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قَدْ ثَبَتَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهَا لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى إفْطَارِ مَنْ أَصْبَحَ فِي حَضَرٍ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْكَدِيدِ وَالْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ صَامَ أَيَّامًا فِي سَفَرِهِ أَنْ يُفْطِرَ، وَقَدْ تُرْجِمَ عَلَيْهِ بَابُ إذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ، وَاَلَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى جَوَازِ إفْطَارِ مَنْ أَصْبَحَ فِي حَضَرٍ مُسَافِرًا هُوَ حَدِيثُ الْبَابِ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ: قَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ: صَوَابُهُ خَيْبَرُ أَوْ مَكَّةُ لِأَنَّهُ قَصَدَهُمَا فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَأَمَّا حُنَيْنٌ فَكَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً انْتَهَى. وَالْفَتْحُ كَانَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ: لَتِسْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السِّيَرِ، وَكَانَ خُرُوجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ فِي عَاشِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِذَا كَانَتْ حُنَيْنٌ بَعْدَهُ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. لَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ إلَيْهَا فِي رَمَضَانَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>