للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً

١٦٩١ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ وَصَامَ، حَتَّى إذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ الْمَاءُ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ الْفَتْحَ كَانَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، هَكَذَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ

ــ

[نيل الأوطار]

١٦٨٩ - (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا وَقَدْ رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ، فَقُلْتُ لَهُ: سُنَّةٌ؟ فَقَالَ: سُنَّةٌ ثُمَّ رَكِبَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

١٦٩٠ - (وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: «رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بُصْرَةَ الْغِفَارِيِّ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَدَفَعَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: اقْتَرِبْ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ بَيْنَ الْبُيُوتِ؟ فَقَالَ أَبُو بُصْرَةَ: أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد) .

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَالْحَدِيثُ الثَّانِي سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ وَهُوَ صَائِمٌ فَيُفْطِرُ مِنْ يَوْمِهِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْفُسْطَاطِ) هُوَ اسْمُ عَلَمٍ لِمِصْرِ الْعَتِيقَةِ الَّتِي بَنَاهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَرَادَ السَّفَرَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: هَذَا صَحِيحٌ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا أَحْمَدُ، أَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَمَنَعُوا مِنْهُ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا إذَا أَكَلَ هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا، وَقَالَ أَشْهَبُ: هُوَ مُتَأَوَّلٌ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: يُكَفِّرُ، وَنُحِبُّ أَنْ لَا يُكَفِّرَ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَلِقَوْلِ أَحْمَدَ: عُذْرٌ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ فِطْر بِأَنَّهُ عَلَى الصَّوْمِ يُبِيحُ الْفِطْرَ كَالْمَرَضِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِخِلَافِ السَّفَرِ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَصَحِيحٌ يَقْتَضِي جَوَازَ الْفِطْرِ مَعَ أُهْبَةِ السَّفَرِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ السُّنَّةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إلَى التَّوْقِيفِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صَرَّحَ هَذَانِ الصَّحَابِيَّانِ بِأَنَّ الْإِفْطَارَ لِلْمُسَافِرِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْبُيُوتِ مِنْ السُّنَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>