للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الصَّرْفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ

١٦٠٥ - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ ابْنِ السَّبِيلِ، أَوْ جَارٍ فَقِيرٍ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيُهْدِي لَكَ أَوْ يَدْعُوَكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَفِي لَفْظٍ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِهَا فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ الصَّرْفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ]

. الْحَدِيثُ أَيْضًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبَزَّارُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَقَدْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ لِأَنَّهُ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنَّهُ رَوَاهُ الْأَكْثَرُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهَا. قَوْلُهُ: (لِغَنِيٍّ) قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكَيْنِ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ لِلْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآخِرَةِ

قَوْلُهُ: (أَوْ ابْنِ السَّبِيلِ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ يَأْخُذُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي قُطِعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ابْنُ السَّبِيلِ الْمُسْتَحِقُّ لِلصَّدَقَةِ هُوَ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَيَعْجَزُ عَنْ بُلُوغِ مَقْصِدِهِ إلَّا بِمَعُونَةٍ. قَوْلُهُ: (لِعَامِلٍ عَلَيْهَا) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيَدْخُلُ فِي الْعَامِلِ: السَّاعِي وَالْكَاتِبُ وَالْقَاسِمُ وَالْحَاشِرُ الَّذِي يَجْمَعُ الْأَمْوَالَ وَحَافِظُ الْمَالِ وَالْعَرِيفُ وَهُوَ كَالنَّقِيبِ لِلْقَبِيلَةِ وَكُلُّهُمْ عُمَّالٌ، لَكِنَّ أَشْهَرَهُمْ السَّاعِي وَالْبَاقِي أَعْوَانٌ لَهُ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ مِنْ الزَّكَاةِ إلَى الْعَامِلِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَ هَاشِمِيًّا أَوْ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ، وَلَكِنَّ هَذَا مُخَصَّصٌ بِحَدِيثِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ الْآتِي فِي بَابِ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَوِّزْ لَهُ أَنْ يَصْحَبَ مَنْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّدَقَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ

قَوْلُهُ: (أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ) فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ دَافِعِ الزَّكَاةِ شِرَاؤُهَا وَيَجُوزُ لِآخِذِهَا بَيْعُهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ إذَا مَلَكَهَا الْآخِذُ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا وَزَالَ عَنْهَا اسْمُ الزَّكَاةِ وَتَغَيَّرَتْ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ غَارِمٍ) وَهُوَ مَنْ غَرِمَ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ كَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِأَنْ يَخَافَ وُقُوعَ فِتْنَةٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ فَيَسْتَدِينُ مَنْ يَطْلُبُ صَلَاحَ الْحَالِ بَيْنَهُمَا مَالًا لِتَسْكِينِ الثَّائِرَةِ فَيَجُوزُ لَهُ أَوْ يَقْضِي ذَلِكَ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا

قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَيُحْمَلُ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>