للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ سَعْدٍ الْأَطْوَلِ: «أَنَّ أَخَاهُ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ عِيَالًا، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَهَا عَلَى عِيَالِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ أَخَاكَ مُحْتَبِسٌ بِدَيْنِهِ فَاقْضِ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَدَّيْتُ عَنْهُ إلَّا دِينَارَيْنِ ادَّعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَلَيْسَ لَهَا بَيِّنَةٌ، قَالَ: فَأَعْطِهَا فَإِنَّهَا مُحِقَّةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ أَنَّ وَلِيَّ الْمَيِّتِ يَقْضِي دَيْنَهُ إذَا عَلِمَ صِحَّتَهُ]

الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ هَكَذَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ سَعْدٍ الْأَطْوَلِ فَذَكَرَهُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ وَلَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ وَقِيلَ: إنَّهُ ابْنُ أَبِي نَضْرَةَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَمَنْ عَدَاهُ مِنْ رِجَالِ الْإِسْنَادِ فَهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا سَعْدٌ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ قَانِعٍ وَاَلْبَارُودِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالضِّيَاءِ فِي الْمُحْتَارَةِ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَإِنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانَ فَذَكَرَهُ

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ إخْرَاجِ الدَّيْنِ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ نَفَقَةِ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهَا، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَهَكَذَا يُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا لَوْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِأَلْفٍ مَثَلًا وَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ، وَحَكَمَ بِهِ، ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ أَنَّ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ دَيْنًا يَسْتَغْرِقُ مَوْجُودَهُ وَصَدَقَةَ الْوَارِثِ، فَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الدَّيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ

وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] فَقَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ: إنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ تَرْتِيبٍ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَوَارِيثَ إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ، وَأَتَى بِأَوْ لِلْإِبَاحَةِ، وَهِيَ كَقَوْلِك: جَالِسْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا: أَيْ لَك مُجَالَسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اجْتَمَعَا أَوْ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ لِمَعْنَى اقْتَضَى الِاهْتِمَامَ بِتَقْدِيمِهَا وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ مُقْتَضِيَاتِ التَّقْدِيمِ سِتَّةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: الْخِفَّةُ وَالثِّقَلُ كَرَبِيعَةَ وَمُضَرَ، فَمُضَرُ أَشْرَفُ مِنْ رَبِيعَةَ، لَكِنْ لَفْظُ رَبِيعَةَ لَمَّا كَانَ أَخَفَّ قُدِّمَ فِي الذِّكْرِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ ثَانِيهَا: بِحَسَبِ الزَّمَانِ كَعَادٍ وَثَمُودَ ثَالِثُهَا: بِحَسَبِ الطَّبْعِ كَثُلَاثَ وَرُبَاعَ رَابِعُهَا: بِحَسَبِ الرُّتْبَةِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ حَقُّ الْبَدَنِ، وَالزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، فَالْبَدَنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَالِ خَامِسُهَا: تَقْدِيمُ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: ٢٠٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>