بَابُ مَا يَصْنَعُ مَنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ
١٨٨٥ - (عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إلَيْهِ سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا، فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي الْعُمْرَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اخْلَعْ جُبَّتَكَ فَخَلَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ»
ــ
[نيل الأوطار]
قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ خِلَافُهُ لِأَنَّ الثَّوْبَ الْمَسْدُولَ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ إصَابَةِ الْبَشَرَةِ فَلَوْ كَانَ التَّجَافِي شَرْطًا لَبَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (كَانَ يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ) لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ شُمُولُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ وَالْإِجْمَاعُ الْمُتَقَدِّمُ.
قَوْلُهُ: (فَتَرَكَ ذَلِكَ) يَعْنِي: رَجَعَ عَنْ فَتْوَاهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ الْخُفَّيْنِ بِغَيْرِ قَطْعٍ.
[بَابُ مَا يَصْنَعُ مَنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ]
قَوْلُهُ: (جَاءَهُ رَجُلٌ) ذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ عَنْ تَفْسِيرِ الطَّرْطُوسِيِّ أَنَّ اسْمَهُ عَطَاءُ بْنُ مُنْيَةَ فَيَكُونُ أَخَا يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَهِيَ أُمُّهُ وَقِيلَ: جَدَّتُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ عَمْرَو بْنَ سَوَادٍ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الرَّجُلَ هُوَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ الرَّاوِي. قَوْلُهُ: (ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ: كُشِفَ عَنْهُ قَوْلُهُ: (الَّذِي بِكَ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَأَمَّا الْجُبَّةُ. . . إلَخْ أَنَّهُ أَرَادَ الطِّيبَ الْكَائِنَ فِي الْبَدَنِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ اصْنَعْ فِي الْعُمْرَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَعْمَالَ الْحَجِّ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَخْلَعُونَ الثِّيَابَ وَيَجْتَنِبُونَ الطِّيبَ فِي الْإِحْرَامِ إذَا حَجُّوا وَكَانُوا يَتَسَاهَلُونَ فِي ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَجْرَاهُمَا وَاحِدٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: قَوْلُهُ: (وَاصْنَعْ) مَعْنَاهُ اُتْرُكْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ: أَرَادَ الْأَدْعِيَةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التُّرُوكَ مُشْتَرَكَةٌ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ فِي الْحَجِّ أَشْيَاءَ زَائِدَةً عَلَى الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ وَمَا بَعْدَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ كَمَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَزَادَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَعْمَالِ مَا يَخْتَصُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute