للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى سَارِقٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُك فَقَدْ قُبِلَتْ، أَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ بِهِ مِنْ زِنَاهَا، وَلَعَلَّ السَّارِقَ أَنْ يَسْتَعِفَّ بِهِ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَلَعَلَّ الْغَنِيَّ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ مَنْ دَفَعَ صَدَقَتَهُ إلَى مَنْ ظَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا فَبَانَ غَنِيًّا]

. قَوْلُهُ: (قَالَ رَجُلٌ) وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. قَوْلُهُ (لَأَتَصَدَّقَنَّ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا " اللَّيْلَةَ " وَهَذَا اللَّفْظُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ كَالنَّذْرِ مَثَلًا، وَالْقَسَمُ فِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَتَصَدَّقَنَّ. قَوْلُهُ: (فِي يَدِ سَارِقٍ) أَيْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ سَارِقٌ وَكَذَلِكَ عَلَى زَانِيَةٍ وَكَذَلِكَ عَلَى غَنِيٍّ

قَوْلُهُ: (تُصُدِّقَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: (لَكَ الْحَمْدُ) أَيْ لَا لِي؛ لِأَنَّ صَدَقَتِي وَقَعَتْ فِي يَدِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فَلَكَ الْحَمْدُ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ بِإِرَادَتِكَ لَا بِإِرَادَتِي. قَالَ الطِّيبِيِّ: لَمَّا عَزَمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى مُسْتَحِقٍّ فَوَضَعَهَا بِيَدِ سَارِقٍ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى مَنْ هُوَ أَسْوَأُ حَالًا، أَوْ أَجْرَى الْحَمْدَ مَجْرَى التَّسْبِيحِ فِي اسْتِعْمَالِهِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ مَا يَتَعَجَّبُ مِنْهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا تَعَجَّبُوا مِنْ فِعْلِهِ تَعَجَّبَ هُوَ أَيْضًا فَقَالَ: " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ " أَيْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ فَأَبْعَدُ مِنْهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ سَلَّمَ وَفَوَّضَ وَرَضِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ فَحَمِدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّهُ الْمَحْمُودُ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لَا يُحْمَدُ عَلَى الْمَكْرُوهِ سِوَاهُ

وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَأَى مَا لَا يُعْجِبُهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» قَوْلُهُ: (فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ) فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ " فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَأُتِيَ فِي مَنَامِهِ " وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ، وَفِيهِ تَعْيِينُ أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُ أَحَدٍ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: قَوْلُهُ: " أُتِيَ " أَيْ أُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَوْ سَمِعَ هَاتِفًا مَلَكًا أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ نَبِيٌّ، أَوْ أَفْتَاهُ عَالِمٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوْ أَتَاهُ مَلَكٌ فَكَلَّمَهُ، فَقَدْ كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُكَلِّمُ بَعْضَهُمْ كَانَتْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا سَلَفَ أَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ) فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ " إنَّ اللَّهَ قَدْ قَبِلَ صَدَقَتَكَ " فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مُخْتَصَّةً بِأَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَلِهَذَا تَعَجَّبُوا.

وَفِيهِ أَنَّ نِيَّةَ الْمُتَصَدِّقِ إذَا كَانَتْ صَالِحَةً قُبِلَتْ صَدَقَتُهُ وَلَوْ لَمْ تَقَعْ الْمَوْقِعَ

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْإِجْزَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>