قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: ١١٤] الْآيَةَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَرْأَةِ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ جَمِيعًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ هَكَذَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا مَوْصُولًا بِذِكْرِ مُعَاذٍ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ. وَأَيْضًا قَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: (إنَّ رَجُلًا) فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَأَصْلُ الْقِصَّةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِدُونِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ. وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ قَالَ بِأَنَّ لَمْسَ الْمَرْأَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ.
وَذَهَبَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْعِتْرَةُ جَمِيعًا وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: إلَّا إذَا تَبَاشَرَ الْفَرْجَانِ وَانْتَشَرَ وَإِنْ لَمْ يُمْذِ. قَالَ الْأَوَّلُونَ: الْآيَةُ صَرَّحَتْ بِأَنَّ اللَّمْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْدَاثِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي لَمْسِ الْيَدِ. وَيُؤَيِّدُ بَقَاءَهُ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ قِرَاءَةُ أَوْ لَمَسْتُمْ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي مُجَرَّدِ اللَّمْسِ مِنْ دُونِ جِمَاعٍ قَالَ الْآخَرُونَ: يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ وَهُوَ أَنَّ اللَّمْسَ مُرَادٌ بِهِ الْجِمَاعَ لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ وَهِيَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي سَيَأْتِي فِي التَّقْبِيلِ وَحَدِيثُهَا فِي لَمْسِهَا لِبَطْنِ قَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي حَدِيثِ التَّقْبِيلِ ضَعْفًا.
وَأَيْضًا فَهُوَ مُرْسَلٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الضَّعْفَ مُنْجَبِرٌ بِكَثْرَةِ رِوَايَاتِهِ وَبِحَدِيثِ لَمْسِ عَائِشَةَ لِبَطْنِ قَدَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَالِاعْتِذَارُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي لَمْسِهَا لِقَدَمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ اللَّمْسَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ بِحَائِلٍ أَوْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ تَكَلُّفٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلظَّاهِرِ.
قَالُوا: أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّائِلَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِالْوُضُوءِ، وَصَرَّحَ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّ مَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: «الْقُبْلَةُ مِنْ اللَّمْسِ وَفِيهَا الْوُضُوءُ وَاللَّمْسُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ» .
وَاسْتَدَلَّ الْحَاكِمُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّمْسِ مَا دُونَ الْجِمَاعِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ (مَا كَانَ أَوْ قَلَّ يَوْمٌ إلَّا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِينَا فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ) الْحَدِيثَ، وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «الْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ» وَفِي قِصَّةِ مَاعِزٍ: «لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت» وَبِحَدِيثِ عُمَرَ: «الْقُبْلَةُ مِنْ اللَّمْسِ فَتَوَضَّئُوا مِنْهَا» وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ بِالْوُضُوءِ يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمَعْصِيَةِ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ مُكَفِّرَاتِ الذُّنُوبِ، أَوْ لِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي وَصَفَهَا مَظِنَّةُ خُرُوجِ الْمَذْيِ، أَوْ هُوَ طَلَبٌ لِشَرْطِ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِهِ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute