رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ذَاكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ ".
وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: وَكَانَ فِرَاقُهُ إيَّاهَا سُنَّةً فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ.)
ــ
[نيل الأوطار]
[كِتَابُ اللِّعَانِ]
. قَوْلُهُ: (لَاعَنَ امْرَأَتَهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: اللِّعَانُ مَأْخُوذٌ مِنْ اللَّعْنِ؛ لِأَنَّ الْمُلَاعِنَ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَاخْتِيرَ لَفْظُ اللَّعْنِ دُونَ الْغَضَبِ فِي التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ وَهُوَ الَّذِي بُدِئَ بِهِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ أَيْضًا يَبْدَأُ بِهِ. وَقِيلَ: سُمِّيَ لِعَانًا لِأَنَّ اللَّعْنَ: الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا. وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِلَفْظِ الْغَضَبِ لِعِظَمِ الذَّنْبِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ مَشْرُوعٌ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ التَّحَقُّقِ. وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ. وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا يُشْرَعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] الْآيَةَ، فَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِأَجْنَبِيَّةٍ: يَا زَانِيَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ. قَوْلُهُ: (فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ حَتَّى يُوقِعَهَا الْحَاكِمُ
وَأَجَابَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ أَنَّ ذَلِكَ بَيَانُ حُكْمٍ لَا إيقَاعُ فُرْقَةٍ. وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ جَوَابٌ لِسُؤَالِ الرَّجُلِ عَنْ مَالِهِ الَّذِي أَخَذَتْهُ مِنْهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَشْمَلُ الْمَالَ وَالْبَدَنَ وَيَقْتَضِي نَفْيَ تَسَلُّطِهِ عَلَيْهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَقَضَى أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ قُوتٌ وَلَا سُكْنَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفَّى عَنْهَا» ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْفُرْقَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا: قَوْلُهُ: (وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تَفَرَّدَ مَالِكٌ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَكَرُوا أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَقَدْ جَاءَتْ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: «فَكَانَ الْوَلَدُ يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ» وَمِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى «وَكَانَ الْوَلَدُ يُدْعَى إلَى أُمِّهِ» وَمَعْنَى قَوْلِهِ «أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ» : أَيْ صَيَّرَهُ لَهَا وَحْدَهَا وَنَفَاهُ عَنْ الزَّوْجِ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الْأُمُّ فَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ بِلَفْظِ: «وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لِأُمِّهِ» ثُمَّ جَرَتْ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute