للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيْ الْعَشْرِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيْ التَّشْرِيقِ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ الْحَثِّ عَلَى الذِّكْرِ وَالطَّاعَةِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا) فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: " مَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي أَيَّامٍ " وَفِي رِوَايَةٍ كَرِيمَةٍ عَنْ الْكُشْمِيهَنِيِّ: " مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ " قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ أَفْضَلِيَّةِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إنْ فُسِّرَتْ بِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ، وَزَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ فَسَّرَ الْأَيَّامَ الْمُبْهَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَفَسَّرَ الْعَمَلَ: بِالتَّكْبِيرِ؛ لِكَوْنِهِ أَوْرَدَ الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّكْبِيرِ فَقَطْ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ: الْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَمَلِ فِي غَيْرِهَا.

قَالَ: وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُهَا أَيَّامَ عِيدٍ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَا مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ: " إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ فِيهَا، بَلْ قَدْ شَرَعَ فِيهَا أَعْلَى الْعِبَادَاتِ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَمْتَنِعْ فِيهَا إلَّا الصَّوْمُ.

قَالَ: وَسِرُّ كَوْنِ الْعِبَادَاتِ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا أَنَّ الْعِبَادَةَ فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ فَاضِلَةٌ عَلَى غَيْرِهَا، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ غَفْلَةٍ فِي الْغَالِبِ، فَصَارَ لِلْعَابِدِ فِيهَا مَزِيدُ فَضْلٍ عَلَى الْعَابِدِ فِي غَيْرِهَا.

قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ الْمَنْقُولَ يُعَارِضُهُ، وَالسِّيَاقُ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ كَرِيمَةٍ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الْكُشْمَيْهَنِيِّ وَهُوَ شَيْخُ كَرِيمَةٍ بِلَفْظِ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْعَشْرِ» وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ: «فِي أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ» وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَقَالَ: مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ.

وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، لَكِنْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةٍ الطَّيَالِسِيِّ وَغَيْرِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ بِلَفْظِ: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى» وَفِي حَدِيثٍ جَابِرٍ فِي صَحِيحَيْ أَبِي عَوَانَةَ وَابْنِ حِبَّانَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>