بَابُ الْكَفِّ عَنْ ذِكْرِ مَسَاوِئِ الْأَمْوَاتِ
١٥١٩ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ)
١٥٢٠ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْكَفِّ عَنْ ذِكْرِ مَسَاوِئِ الْأَمْوَاتِ]
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسِ أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ صَالِحُ بْنُ نَبْهَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَالْمُغِيرَةِ قَوْلُهُ: (لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ) ظَاهِرُهُ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَدْ خُصِّصَ هَذَا الْعُمُومَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ثَنَائِهِمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ: وَجَبَتْ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ " وَقِيلَ: إنَّ اللَّامَ فِي الْأَمْوَاتِ عَهْدِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مِمَّا يُتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِسَبِّهِمْ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ: «لَا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا» وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ " وَجَبَتْ ": إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَجْوِبَةً الْأَوَّلِ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِالشَّرِّ كَانَ مُسْتَظْهَرًا بِهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ " أَلَّا غِيبَةَ لِفَاسِقٍ " أَوْ كَانَ مُنَافِقًا، أَوْ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى مَا بَعْدِ الدَّفْنِ، وَالْجَوَازُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِيَتَّعِظَ بِهِ مَنْ يَسْمَعُهُ، أَوْ يَكُونَ هَذَا النَّهْيُ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا فَيَكُونُ نَاسِخًا قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ مَا مُحَصِّلُهُ إنَّ السَّبَّ يَكُونُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَيَمْتَنِعُ إذَا تَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ الْمُسْلِمُ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَحَيْثُ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ كَأَنْ يَصِيرَ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَجِبُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَقَدْ تَكُونُ مَصْلَحَةً لِلْمَيِّتِ كَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخَذَ مَالًا بِشَهَادَةِ زُورٍ وَمَاتَ الشَّاهِدُ فَإِنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ إنْ عَلِمَ أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ يَرُدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ
وَالثَّنَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لَا مِنْ بَابِ السَّبِّ انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ تَبْقِيَةُ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ كَالثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالشَّرِّ وَجَرْحِ الْمَجْرُوحِينَ مِنْ الرُّوَاةِ " أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَذِكْرِ مَسَاوِئِ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيرِ عَنْهُمْ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: سَبُّ الْأَمْوَاتِ يَجْرِي مَجْرَى الْغِيبَةِ، فَإِنْ كَانَ أَغْلَبُ أَحْوَالِ الْمَرْءِ الْخَيْرَ وَقَدْ تَكُونُ مِنْهُ الْفَلْتَةُ فَالِاغْتِيَابُ لَهُ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا مُعْلِنًا فَلَا غِيبَةَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ انْتَهَى.
وَيُتَعَقَّبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute