بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ لِلصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً
٣٥٤ - (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ لَلْجَرْحِ
٣٥٥ - (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ لِلصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً]
قَوْلُهُ: (فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ) وَقَعَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الْمُلَقِّنِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ جَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو رِفَاعَةَ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ رِوَايَةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْحَافِظُ: أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْكَلْبِيِّ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبُ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِتَقَدُّمِ وَقْعَةِ بَدْرٍ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ لَهُ رِوَايَةٌ أَنْ يَكُونَ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ مُنْقَطِعَةً أَوْ مُتَّصِلَةً لَكِنْ نَقَلَهَا عَنْهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ قُتِلَ بِبَدْرٍ قَوْلُهُ: (أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ: أَيْ مَعِي: أَيْ مَوْجُودٌ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي إقَامَةِ عُذْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ عُمُومِ النَّفْي كَأَنَّهُ نَفَى وُجُودَ الْمَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ قَوْلُهُ: (عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ) اللَّام لِلْعَهْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَدَلَّ قَوْلُهُ: يَكْفِيكَ عَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: يَكْفِيكَ: أَيْ لِلْأَدَاءِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ عَدَمَ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْخَلَفِ وَلَا مِنْ السَّلَفِ إلَّا مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِهِ لِلْجُنُبِ، وَقِيلَ: إنَّ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ رَجَعَا عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَتْ بِجَوَازِهِ لِلْجُنُبِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ. وَإِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، إلَّا مَا يُحْكَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِمَامِ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ مَذْهَبٌ مَتْرُوكٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ بَعْدَهُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجُنُبِ بِغَسْلِ بَدَنِهِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute