بَابُ نَهْيِ الْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ
١٦١٤ - (عَنْ «عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرَخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ. لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
١٦١٥ - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي لَفْظٍ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ رَآهَا تُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ يَا عُمَرُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. زَادَ الْبُخَارِيُّ: فَبِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَتْرُكُ أَنْ يَبْتَاعَ شَيْئَا تَصَدَّقَ بِهِ إلَّا جَعَلَهُ صَدَقَةً) .
ــ
[نيل الأوطار]
الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ أُتِيَ بِلَحْمٍ، فَقَالَتْ لَهُ: هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ»
[بَابُ نَهْيِ الْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ]
قَوْلُهُ: (عَنْ عُمَرَ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى تَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيّ الثَّانِيَ قَوْلُهُ: (حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ) الْمُرَادُ أَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَلِذَلِكَ سَاغَ لَهُ بَيْعُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عُمَرُ قَدْ حَبَسَهُ، وَإِنَّمَا سَاغَ لِلرَّجُلِ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ هُزَالٌ عَجَزَ بِسَبَبِهِ عَنْ اللَّحَاقِ بِالْخَيْلِ وَضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ وَانْتَهَى إلَى حَالَةِ ذَلِكَ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ: " لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ " وَلَوْ كَانَ حَبْسًا لَعَلَّلَهُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فَأَضَاعَهُ) أَيْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَقَصَّرَ فِي مُؤْنَتِهِ وَخِدْمَتِهِ. وَقِيلَ: لَمْ يَعْرِفْ مِقْدَارَهُ فَأَرَادَ بَيْعَهُ بِدُونِ قِيمَتِهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ مَا جُعِلَ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ) هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي تَنْقِيصِهِ وَهُوَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى شِرَائِهِ قَوْلُهُ: (لَا تَعُدْ) إنَّمَا سَمَّى شِرَاءَهُ بِرُخْصٍ عَوْدًا فِي الصَّدَقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا بِرُخْصٍ فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ عَرَضَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ فَيَصِيرُ رَاجِعًا فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي سُومِحَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَيْءَ حَرَامٌ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ لِلتَّنْفِيرِ خَاصَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute