بَابُ الصَّلَاةِ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ فِي جَمَاعَةٍ مُكَرَّرَةِ الرُّكُوعِ
١٣٣٧ - (عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا كَذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الْمَسَاجِدِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
١٣٣٨ - (وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «خُسِفَ الْقَمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ فِي كُلّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ وَقَالَ: إنَّمَا صَلَّيْتُ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ) .
ــ
[نيل الأوطار]
وَقَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ. فَالْمُتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهَا، إلَّا أَنَّ الْجَهْرَ أَوْلَى مِنْ الْإِسْرَارِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.
وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسِرُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَيَجْهَرُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، وَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ الْإِمَامُ يَحْيَى. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ. وَإِلَى مِثْل ذَلِكَ ذَهَبَ الْهَادِي وَرَوَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَعْيِينُ مَا قَرَأَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي حَدِيثٍ لِعَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْعَنْكَبُوتِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالرُّومِ أَوْ لُقْمَانَ، وَلَقَدْ ثَبَتَ الْفَصْلُ بِالْقِرَاءَةِ بَيْن كُلّ رُكُوعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَيَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي مِنْ الْقُرْآنِ مَا شَاءَ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِالْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ رَكْعَةٌ بِدُونِ فَاتِحَةٍ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَام الثَّانِي، فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِقِرَاءَتِهَا فِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: لَا تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي انْتَهَى: وَيَنْبَغِي الِاسْتِكْثَارُ مِنْ الدُّعَاءِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ وَغَيْرِهِ.
[بَابُ الصَّلَاةِ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ فِي جَمَاعَةٍ مُكَرَّرَةِ الرُّكُوعِ]
حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ قَوْلِهِ: " فَافْزَعُوا إلَى الْمَسَاجِدِ " وَقَدْ أَخْرَجَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ كَمَا ذَكَرَ