بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اجْتِيَازِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْعِهِ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ
٣٠١ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقُلْت: إنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: إنَّ حَيْضَتَك لَيْسَتْ فِي يَدِك» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اجْتِيَازِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْعِهِ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ]
الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ بِتَصْحِيحِ مُسْلِمٍ إيَّاهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ، وَإِخْرَاجُهُ لَهُ فِي صَحِيحِهِ، وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ اخْتِلَافًا عَلَى الْأَعْمَشِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَصَوَّبَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَانِعًا مِنْ الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَّ فِيهِ وَجْهَ الصَّوَابِ وَلَكِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ ثَابِتُ بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَلَيْسَ فِي مَرْتَبَةِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ الَّذِي يُقْبَلُ مَعَهُ تَفَرُّدُهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ إعْلَالِهِ بِالتَّفَرُّدِ أَنَّ لَهُ طَرِيقًا أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْشَى عَنْ السَّائِبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِي كِلَاهُمَا عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ. وَعَنْ أَبِي عُمَرَ الْحَوْضِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذِهِ مُتَابَعَاتٌ لِطَرِيقِ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ وَاهِيَةً فَهِيَ تَحْصُلُ تَقْوِيَةً.
قَوْلُهُ: (الْخُمْرَةَ) الْخُمْرَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ. قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهِيَ السَّجَّادَةُ وَهِيَ مَا يَضَعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ حَرَّ وَجْهِهِ فِي سُجُودِهِ مِنْ حَصِيرٍ أَوْ نَسِيجَةٍ مِنْ خُوصٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: هِيَ السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي وَهِيَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ قَدْرُ مَا يَضَعُ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي وَجْهَهُ فَقَطْ، وَقَدْ تَكُونُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (إنَّ حَيْضَتَك) الْحِيضَةُ قَيَّدَهَا الْخَطَّابِيِّ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَعْنِي الْحَالَةَ وَالْهَيْئَةَ. وَقَالَ الْمُحَدِّثُونَ: يَفْتَحُونَ الْحَاءَ وَهُوَ خَطَأٌ. وَصَوَّبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْفَتْحَ وَزَعَمَ أَنَّ كَسْرَ الْحَاءِ هُوَ الْخَطَأُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدَّمَ وَهُوَ الْحَيْضُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْحَافِظِ وَالنَّوَوِيِّ فِي بَابِ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْكَافِرِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ لِلْحَاجَةِ وَلَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَلُّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَعْنِي قَوْلَهُ: (مِنْ الْمَسْجِدِ) بِقَوْلِهِ (نَاوِلِينِي) وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ لِلْحَاجَةِ تَعْرِضُ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جَسَدِهَا نَجَاسَةً وَأَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا مَخَافَةَ مَا يَكُونُ مِنْهَا، وَعَلَّقَتْهُ طَائِفَةٌ أُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute