للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا)

١٥٨٣ - (وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمَسْأَلَةُ لَا تَحِلُّ إلَّا لِثَلَاثَةٍ

ــ

[نيل الأوطار]

[أَبْوَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فِي الزَّكَاة] [بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكَيْنِ وَالْمَسْأَلَةِ وَالْغَنِيِّ]

. قَوْلُهُ: (وَلَا اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " الْأَكْلَةُ وَالْأَكْلَتَانِ ". قَوْلُهُ: (يُغْنِيهِ) هَذِهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْغِنَى الْمَنْهِيِّ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْيَسَارِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَغْنَى بِهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ. وَكَأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ الْيَسَارِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ يُغْنِيهِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِ الْيَسَارِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ عَدَمِ الْغِنَى وَعَدَمِ تَفَطُّنِ النَّاسِ لَهُ مَا يُظَنُّ بِهِ لِأَجْلِ تَعَفُّفِهِ وَتُظْهِرُهُ بِصُورَةِ الْغَنِيِّ مِنْ عَدَمِ الْحَاجَةِ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ الْمُسْتَعْفِفُ عَنْ السُّؤَالِ

وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكَيْنِ، وَإِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ، وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩] فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً يَعْمَلُونَ فِيهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْعِتْرَةُ إلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ دُونَ الْفَقِيرِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦] ، قَالُوا: لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُلْصِقُ التُّرَابَ بِالْعَرَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرَجَّحَهُ الْجَلَالُ قَالَ: لِأَنَّ الْمَسْكَنَةَ لَازِمَةٌ لِلْفَقْرِ، إذْ لَيْسَ مَعْنَاهَا الذُّلُّ وَالْهَوَانُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِغِنَى النَّفْسِ أَعَزَّ مِنْ الْمُلُوكِ الْأَكَابِرِ، بَلْ مَعْنَاهَا: الْعَجْزُ عَنْ إدْرَاكِ الْمُطَالَبِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالْعَاجِزُ سَاكِنٌ عَنْ الِانْتِهَاضِ إلَى مَطَالِبِهِ انْتَهَى. وَقِيلَ: الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ، حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ. وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمِسْكِينَ مِنْ اتَّصَفَ بِالتَّعَفُّفِ وَعَدَمِ الْإِلْحَافِ فِي السُّؤَالِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ بِمَعْنَاهُ: الْمِسْكِينُ الْكَامِلُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ: " أَتَدْرُونَ مِنْ الْمُفْلِسُ " الْحَدِيثُ، وقَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ} [البقرة: ١٧٧] ، الْآيَةَ، وَكَذَا قَرَّرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَمِنْ جُمْلَةِ حُجَجِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينَا» مَعَ تَعَوُّذِهِ مِنْ الْفَقْرِ

وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالُ: الْمِسْكِينُ مَنْ اجْتَمَعَتْ لَهُ الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَالْفَقِيرُ مَنْ كَانَ ضِدَّ الْغَنِيِّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ الْغِنَى فَيُقَالُ لِمَنْ عُدِمَ الْغِنَى: فَقِيرٌ، وَلِمَنْ عُدِمَهُ مَعَ التَّعَفُّفِ عَنْ السُّؤَالِ وَعَدَمِ تَفَطُّنَ النَّاسِ لَهُ: مِسْكِينٌ. وَقِيلَ: إنَّ الْفَقِيرَ مَنْ يَجِدُ الْقُوتَ، وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ

وَقِيلَ: الْفَقِيرُ: الْمُحْتَاجُ، وَالْمِسْكِينُ: مَنْ أَذَلَّهُ الْفَقْرُ، حَكَى هَذَيْنِ صَاحِبُ الْقَامُوسِ..

<<  <  ج: ص:  >  >>