للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَارَقَ مُعَاذًا سَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مَا بَنَى بَلْ اسْتَأْنَفَ، قِيلَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: إنَّ مُعَاذًا اسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَتَا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، إمَّا لِرَجُلٍ أَوْ لِرِجْلَيْنِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ انْفِرَادِ الْمَأْمُومِ لِعُذْرٍ]

هَذِهِ الْقِصَّةُ قَدْ رُوِيت عَلَى أَوْجُهٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَفِي بَعْضِهَا لَمْ يَذْكُر تَعْيِينَ السُّورَةِ الَّتِي قَرَأَهَا مُعَاذٌ وَلَا تَعْيِينَ الصَّلَاةِ الَّتِي وَقَعَ ذَلِكَ فِيهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ الْمَذْكُورَةِ.

وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ السُّورَةَ الَّتِي قَرَأَهَا {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: ١] وَالصَّلَاةَ: الْعِشَاءُ، كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمَذْكُورِ.

وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ السُّورَةَ الَّتِي قَرَأَهَا: الْبَقَرَةُ، وَالصَّلَاةَ: الْعِشَاءُ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ.

وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ الصَّلَاةَ: الْمَغْرِبَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ حِبَّانَ. وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ أَيْضًا فِي اسْمِ الرَّجُلِ، فَقِيلَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ، وَقِيلَ: حَزْمُ بْنُ أَبِي كَعْبٍ، وَقِيلَ: حَارِمٌ، وَقِيلَ: سُلَيْمٌ، وَقِيلَ سُلَيْمَانُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، وَمِمَّنْ جَمَعَ بَيْنهَا بِذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُهُ: (ثَبَتَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى. . . إلَخْ) سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَوْله: (فَدَخَلَ حَرَامٌ) بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ضِدُّ حَلَالٍ ابْنُ مِلْحَانَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَمَّا طَوَّلَ) يَعْنِي مُعَاذًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " فَزَعَمَ " قَوْلُهُ: (أَنِّي مُنَافِقٌ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " فَكَأَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ " وَلِلْمُسْتَمْلِي " تَنَاوَلَ مِنْهُ " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ " فَقَالَ لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، وَكَأَنَّ مُعَاذًا قَالَ ذَلِكَ أَوَّلَا ثُمَّ قَالَهُ أَصْحَابُهُ لِلرَّجُلِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَلَّغَهُ الرَّجُلُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ.

وَعِنْدَ النَّسَائِيّ قَالَ مُعَاذٌ: «لَئِنْ أَصْبَحْتُ لَأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَمِلْتُ عَلَى نَاضِحٍ لِي» الْحَدِيثَ.

وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ مُعَاذًا سَبَقَهُ بِالشَّكْوَى، فَلَمَّا أَرْسَلَ لَهُ جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذٍ قَوْلُهُ: (أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟) فِي رِوَايَةٍ مَرَّتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثًا، وَفِي رِوَايَةٍ " أَفَاتِنٌ " وَفِي رِوَايَةٍ " أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَاتِنًا؟ " وَفِي رِوَايَةٍ " يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَاتِنًا " الْحَدِيثَ، الْفِتْنَةُ هُنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ يَكُون سَبَبًا لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، قَوْلُهُ: (لَا تُطَوِّلْ بِهِمْ) فِيهِ أَنَّ التَّطْوِيل مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَكُونُ حَرَامًا وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ، فَنَهْيُهُ لِمُعَاذٍ عَنْ التَّطْوِيلِ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ قَوْلُهُ: (اقْرَأْ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: ١] الْأَمْرُ بِقِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْقِرَاءَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ «وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِزِيَادَةِ " وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>