للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ انْتِقَالِ الْمُنْفَرِدِ إمَامًا فِي النَّوَافِلِ

١٠٥٩ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فَجَئْتُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ، وَقَامَ رَجُلٌ فَقَامَ إلَى جَنْبِي، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ حَتَّى كُنَّا رَهْطًا، فَلَمَّا أَحَسَّ

ــ

[نيل الأوطار]

بِزِيَادَةِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١] وَفِي رِوَايَةٍ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ بِزِيَادَةِ {وَالضُّحَى} [الضحى: ١] وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحُمَيْدِيِّ بِزِيَادَةِ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: ١] ، وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ بِمِثْلِ هَذِهِ السُّوَرِ تَخْفِيفٌ، وَقَدْ يَعُدُّ ذَلِكَ مَنْ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي الطَّاعَةِ تَطْوِيلًا قَوْلُهُ: (الْعِشَاءُ) كَذَا فِي مُعْظَمِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.

وَفِي رِوَايَةِ: الْمَغْرِبِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيُجْمَعُ بِمَا سَلَفَ مِنْ التَّعَدُّدِ، أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ مَجَازًا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَأَرْجَحُ قَوْلُهُ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: ١] فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ قَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " قَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ النِّسَاءِ " عَلَى الشَّكِّ.

وَفِي رِوَايَةِ السِّرَاجِ " قَرَأَ بِالْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ " بِلَا شَكٍّ.

وَقَدْ قَوَّى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إسْنَادَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ الْحَمْلُ عَلَى تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ تَرْجِيحُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْحَمْلَ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّخْفِيفِ ثُمَّ يَعُودُ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ قَرَأَ أَوَّلًا بِالْبَقَرَةِ، فَلَمَّا نَهَاهُ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى السُّوَرِ الَّتِي أَمَرَهُ بِقِرَاءَتِهَا.

وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ وَقَعَ أَوَّلًا لِمَا يُخْشَى مِنْ تَنْفِيرِ بَعْضِ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ لَمَّا اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ ظَنَّ أَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ فَقَرَأَ بِاقْتَرَبَتْ؛ لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَصَادَفَ صَاحِبُ الشُّغْلِ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ، وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ فِي الثَّانِيَة فَانْصَرَفَ آخَرُ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ وَبُرَيْدَةَ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ مَنْ قَطَعَ الِائْتِمَامَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ لِعُذْرٍ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ. وَجُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ: " تَجَوَّزْتُ فِي صَلَاتِي " كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " فَصَلَّى وَذَهَبَ " كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ لَا يُنَافِي الْخُرُوجُ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَاسْتِئْنَافِهَا فُرَادَى وَالتَّجَوُّزِ فِيهَا، لِأَنَّ جَمِيعَ الصَّلَاةِ تُوصَفُ بِالتَّجَوُّزِ كَمَا تُوصَفُ بِهِ بَقِيَّتُهَا.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ: " فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَصَلَّى فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ ". وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَا فِي حَدِيثَيْ الْبَابِ مُحْتَمَلًا، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مُبَيِّنًا لِذَلِكَ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>