مَعَ بَنِي فُلَانٍ، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ فَقَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْحَثِّ عَلَى الرَّمْيِ]
قَوْلُهُ: (يَنْتَضِلُونَ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ يَتَرَامَوْنَ
وَالنِّضَالُ: التَّرَامِي لِلسَّبَقِ وَنَضَلَ، فُلَانٌ فُلَانًا: إذَا غَلَبَهُ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: نَضَلَهُ مُنَاضَلَةً وَنِضَالًا وَنِيضَالًا: بَارَاهُ فِي الرَّمْيِ وَنَضَلْتُهُ: سَبَقْتُهُ فِيهِ، قَوْلُهُ: (وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَأَنَا مَعَ ابْنِ الْأَدْرَعِ اوَاسْمُ ابْنِ الْأَدْرَعِ مِحْجَنٌ.
وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " وَأَنَا مَعَ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ " وَقِيلَ اسْمُهُ سَلَمَةُ حَكَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ. قَالَ: وَالْأَدْرَعُ لَقَبٌ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ قَوْلُهُ: (قَالُوا كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟) ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ: " بَيْنَا مِحْجَنُ بْنُ الْأَدْرَعِ يُنَاضِلُ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ نَضْلَةٌ " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ " فَقَالَ نَضْلَةٌ: وَأَلْقَى قَوْسَهُ مِنْ يَدِهِ وَاَللَّهِ لَا أَرْمِي مَعَهُ وَأَنْتَ مَعَهُ " قَوْلُهُ: (وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ) بِكَسْرِ اللَّامُ تَأْكِيدٌ لَلضَّمِيرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ " وَأَنَا مَعَ جَمَاعَتِكُمْ " وَالْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ مَعِيَّةُ الْقَصْدِ إلَى الْخَيْرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَامَ مَقَامَ الْمُحَلِّلِ فَيَخْرُجُ السَّبَقُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ، وَقَدْ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْإِمَامِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: " مَنْ كُنْت مَعَهُ فَقَدْ غَلَبَ " وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَهَذِهِ هِيَ عِلَّةُ الِامْتِنَاعِ.
وَفِي الْحَدِيثِ النَّدْبُ إلَى اتِّبَاعِ خِصَالِ الْآبَاءِ الْمَحْمُودَةِ وَالْعَمَلِ بِمِثْلِهَا، وَفِيهِ أَيْضًا حُسْنُ أَدَبِ الصَّحَابَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُسْنُ خُلُقِهِ وَالتَّنْوِيهُ بِفَضِيلَةِ الرَّمْيِ.
٣٥٢٨ - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ « {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» ) .
٣٥٢٩ - (وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) . قَوْلُهُ: (أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّمَا فَسَّرَ الْقُوَّةَ بِالرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ الْقُوَّةُ تَظْهَرُ بِإِعْدَادِ غَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ لِكَوْنِ الرَّمْيِ أَشَدَّ نِكَايَةً فِي الْعَدُوِّ وَأَسْهَلَ مُؤْنَةً لَهُ؛