بَابُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ
١٠٦٤ - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى ذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ وَذَكَرَهُ» ) .
ــ
[نيل الأوطار]
فَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ كَانَ إمَامًا. وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ الْجَمْعَ فَحَمَلَ الْقِصَّةَ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إمَامًا وَأَبُو بَكْرٍ مُؤْتَمَّا، لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ الْمَذْكُورَ الْمُرَادُ بِهِ الِائْتِمَامُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ: «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ» . وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ ائْتِمَامِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ اقْتِدَاءِ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْجَالِسِ قَوْلُهُ: (وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ لِإِسْمَاعِ الْمُؤْتَمِّينَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ جَوَازَ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَقُولُ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُسْمِعِ. .
[بَابُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي مُوسَى وَالْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ انْتَهَى. وَأَحَادِيثُهُمْ بِلَفْظِ: «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ) لَفْظُ أَبِي دَاوُد " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ ": قَوْلُهُ: (مَنْ يَتَصَدَّقُ) لَفْظُ أَبِي دَاوُد " أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: " أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا؟ " قَوْلُهُ: (فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّخُولِ مَعَ مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا، وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ مَعَهُ قَدْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَقَدْ اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ رَأَى شَخْصًا يُصَلِّي مُنْفَرِدًا لَمْ يَلْحَقْ الْجَمَاعَةَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ التِّرْمِذِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُصَلِّيَ الْقَوْمُ جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ.
قَالَ: وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُصَلُّونَ فُرَادَى، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي قِلَابَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute