للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَائِمٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ]

قَالَ الْحَافِظُ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِيهِ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَأَنَا أَبْرَأُ مِنْ عُهْدَتِهِ لَكِنْ حَسَّنَ الْحَدِيثَ غَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَيْضًا: إسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ قَوْلَهُ بِالْكَرَاهَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ الْخُلُوفُ الَّذِي سَيَأْتِي. وَقَدْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ.

وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ: أَبُو شَامَةَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّوَوِيُّ وَالْمُزَنِيِّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ الْكُبْرَى: وَقَدْ فَضَّلَ الشَّافِعِيُّ تَحَمُّلَ الصَّائِمِ مَشَقَّةَ رَائِحَةِ الْخُلُوفِ عَلَى إزَالَتِهِ بِالسِّوَاكِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ ثَوَابَهُ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلَا يُوَافِقُ الشَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ ثَوَابِ الْعَمَلِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْفَضِيلَةِ حُصُولُ الرُّجْحَانِ بِالْأَفْضَلِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِتْرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَعَ قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَكَمْ مِنْ عِبَادَةٍ قَدْ أَثْنَى الشَّارِعُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ فَضِيلَتَهَا، وَغَيْرُهَا أَفْضَلُ مِنْهَا، وَهَذَا مِنْ بَابِ تَزَاحُمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ السِّوَاكَ نَوْعٌ مِنْ التَّطَهُّرِ الْمَشْرُوعِ لِأَجْلِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، لِأَنَّ مُخَاطَبَةَ الْعُظَمَاءِ مَعَ طَهَارَةِ الْأَفْوَاهِ تَعْظِيمٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلِأَجْلِهِ شُرِعَ السِّوَاكُ، وَلَيْسَ فِي الْخُلُوفِ تَعْظِيمٌ وَلَا إجْلَالٌ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ فَضِيلَةَ الْخُلُوفِ تَرْبُو عَلَى تَعْظِيمِ ذِي الْجَلَالِ بِتَطْيِيبِ الْأَفْوَاهِ إلَى أَنْ قَالَ: وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَخْصِيصٌ لِلْعَامِّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ الْمُعَارِضِ بِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ: اسْتِدْلَالُ أَصْحَابِنَا بِحَدِيثِ خُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ عَلَى كَرَاهَةِ الِاسْتِيَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَنْ يَكُونُ صَائِمًا فِيهِ نَظَرٌ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَك السِّوَاكُ إلَى الْعَصْرِ، فَإِذَا صَلَّيْتَ فَأَلْقِهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ» الْحَدِيثُ، قَالَ: وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ، وَقَالَ: وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَلِيٍّ: " إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَائِمٍ تَيْبَسُ شَفَتَاهُ بِالْعَشِيِّ إلَّا كَانَتَا لَهُ نُورًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى.

وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ فِيهِ عُمَرَ بْنَ قَيْسٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ مَعَ ضَعْفِهِ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالرَّفْعِ، فَالْحَقُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ السِّوَاكُ لِلصَّائِمِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>