للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ، لَكِنْ قَالَ فِيهِ: عَنْ عَائِشَةَ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهَا) .

٢٢٢٨ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقَهَا فَأَبَى أَهْلُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ أَنَّ مَنْ شَرَطَ الْوَلَاءَ أَوْ شَرْطًا فَاسِدًا لَغَا وَصَحَّ الْعَقْدُ]

قَوْلُهُ: (اشْتَرِيهَا) فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إذَا رَضِيَ وَلَوْ لَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا عَلَى تَفَاصِيلٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ الْهَادِي وَأَتْبَاعُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ بَرِيرَةَ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا بِدَلِيلِ اسْتِعَانَتِهَا لِعَائِشَةَ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اسْتِعَانَتِهَا لِعَائِشَةَ مَا يَسْتَلْزِمُ الْعَجْزَ قَوْلُهُ: (وَيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْبَائِعِ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ لَا يَصِحُّ، بَلْ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ: لَوْ شَرَطُوا مِائَةَ مَرَّةٍ تَوْكِيدًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى التَّوْكِيدِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ جَمِيعِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهَا بِالْمِائَةِ، فَإِنَّهَا لَوْ زَادَتْ عَلَيْهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ) اُسْتُشْكِلَ صُدُورُ الْإِذْنِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرْطٍ فَاسِدٍ فِي الْبَيْعِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ فِي الْحَدِيثِ فَرَوَى الْخَطَّابِيِّ فِي الْمَعَالِمِ بِسَنَدِهِ إلَى يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ.

وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ الْإِشَارَةُ إلَى تَضْعِيفِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا الْإِذْنُ بِالِاشْتِرَاطِ لِكَوْنِهِ انْفَرَدَ بِهَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ دُونَ أَصْحَابِ أَبِيهِ وَأَشَارَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ وَأَثْبَتَ الرِّوَايَةَ آخَرُونَ، وَقَالُوا هِشَامٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ، وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ، بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْخَطَّابِيِّ عَنْهُ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ الْمُزَنِيّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ هَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ اشْتَرِطِي لِلْإِبَاحَةِ أَيْ: اشْتَرِطِي لَهُمْ أَوْ لَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ، وَيُقَوِّي هَذَا قَوْلُهُ: وَيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا وَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ أَنَّ اشْتِرَاطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>