للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤٥٨ - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُمَا كَانَا قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجِنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ: أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ وَقَيْسُ يَقُومَانِ لِلْجِنَازَةِ)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ إذَا مَرَّتْ]

. قَوْلُهُ: (حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ: أَيْ تَتْرُكَكُمْ وَرَاءَهَا. قَوْلُهُ: (مَرَّ بِنَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمَيْهَنيِّ " مَرَّتْ " بِفَتْحِ الْمِيمِ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا» ) زَادَ الْبَيْهَقِيُّ «إنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ» وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْتَ يُفْزِعُ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَهُوَ مَصْدَرٌ جَرَى مُجْرَى الْوَصْفِ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ فِيهِ تَقْدِيرٌ: أَيْ الْمَوْتِ ذُو فَزَعٍ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «إنَّ لِلْمَوْتِ فَزَعًا» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ

قَوْلُهُ: (أَلَيْسَتْ نَفْسًا) هَذَا لَا يُعَارِضُ التَّعْلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ حَيْثُ قَالَ: «إنَّ لِلْمَوْتِ فَزَعًا» وَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «إنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ» وَنَحْوُهُ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى. وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرَ مَرْفُوعًا «إنَّمَا يَقُومُونَ إعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ النُّفُوسَ» وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ: «إعْظَامًا لِلَّهِ تَعَالَى الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ» فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ السَّابِقَ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لِلْفَزَعِ مِنْ الْمَوْتِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمٌ لِلْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ. فَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: " إنَّمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَذِّيًا بِرِيحِ الْيَهُودِ " زَادَ الطَّبَرَانِيُّ " فَأَذَاهُ رِيحُ بَخُورِهَا " وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ كَرَاهِيَةُ أَنْ يَعْلُوَ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ الْأَخْبَارَ الْأُولَى الصَّحِيحَةَ

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ أَسَانِيدَ هَذِهِ لَا تُقَاوِمُ تِلْكَ فِي الصِّحَّةِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي، وَالتَّعْلِيلُ الْمَاضِي صَرِيحٌ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَسْمَعْ التَّصْرِيحَ بِالتَّعْلِيلِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَّلَ بِاجْتِهَادِهِ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ: " أَلَيْسَتْ نَفْسًا " أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ جِنَازَةٍ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْقِيَامَ لِلْجِنَازَةِ لَمْ يُنْسَخْ، وَالْقُعُودُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَمَنْ جَلَسَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ، وَمَنْ قَامَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّ قُعُودَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَمْرِهِ بِالْقِيَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَلنَّدْبِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>