للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٢٠٤ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا.» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ]

قَوْلُهُ: (حَاضِرٌ لِبَادٍ) الْحَاضِرُ: سَاكِنُ الْحَضَرِ، وَالْبَادِي: سَاكِنُ الْبَادِيَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْحَضَرُ، وَالْحَاضِرَةُ وَالْحِضَارَةُ وَتُفْتَحُ خِلَافُ الْبَادِيَةِ، وَالْحَضَارَةُ: الْإِقَامَةُ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاضِرُ خِلَافُ الْبَادِي، وَقَالَ الْبَدْرُ: وَالْبَادِيَةُ وَالْبَادَاتُ وَالْبَدَاوَةُ خِلَافُ الْحَضَرِ، وَتَبَدَّى: أَقَامَ بِهَا، وَتَبَادَى: تَشَبَّهَ بِأَهْلِهَا، وَالنِّسْبَةُ بَدَاوِيٌّ وَبَدَوِيٌّ وَبَدَا الْقَوْمُ: خَرَجُوا إلَى الْبَادِيَةِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (دَعُوا النَّاسَ) . . . إلَخْ، فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا اسْتَنْصَحَ الرَّجُلُ فَلْيُنْصَحْ لَهُ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلَهُ.

قَوْلُهُ: (لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (سِمْسَارًا) بِسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْقَيِّمُ بِالْأَمْرِ وَالْحَافِظُ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مُتَوَلِّي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِغَيْرِهِ، وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَادِي مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَادِي قَرِيبًا لَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الْبَلَدِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ بَاعَهُ لَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ أَمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُ يَخْتَصُّ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بِزَمَنِ الْغَلَاءِ وَبِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الْمَصْرِ.

وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَجِيءَ الْبَلَدَ بِسِلْعَةٍ يُرِيدُ بَيْعَهَا بِسِعْرِ الْوَقْتِ فِي الْحَالِ، فَيَأْتِيَهُ الْحَاضِرُ فَيَقُولَ: ضَعْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ لَكَ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى مِنْ هَذَا السِّعْرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَجَعَلُوا الْحُكْمَ مَنُوطًا بِالْبَادِي وَمَنْ شَارَكَهُ فِي مَعْنَاهُ، قَالُوا: وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْبَادِي فِي الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ شَارَكَهُ فِي عَدَمِ مَعْرِفَةِ السِّعْرِ مِنْ الْحَاضِرِينَ، وَجَعَلَتْ الْمَالِكِيَّةُ الْبَدَاوَةَ قَيْدًا، وَعَنْ مَالِكٍ: لَا يَلْتَحِقُ بِالْبَدَوِيِّ فِي ذَلِكَ إلَّا مَنْ كَانَ يُشْبِهُهُ. فَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ يَعْرِفُونَ أَثْمَانَ السِّلَعِ وَالْأَسْوَاقِ فَلَيْسُوا دَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا وَالْمُبْتَاعُ مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِضْهُ الْبَدَوِيُّ عَلَى الْحَضَرِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ التَّخْصِيصِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِنْبَاطِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ تَفْصِيلًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ حَيْثُ يَظْهَرُ الْمَعْنَى، لَا حَيْثُ يَكُونُ خَفِيًّا، فَاتِّبَاعُ اللَّفْظِ أَوْلَى،

<<  <  ج: ص:  >  >>