فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِهِ فِي عَيْنِهِ وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء: ٨١] ثُمَّ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا حَيْثُ يَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَذْكُرُ اللَّهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَذْكُرَهُ وَيَدْعُوَهُ وَالْأَنْصَارُ تَحْتَهُ، قَالَ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَجَاءَ الْوَحْيُ وَكَانَ إذَا جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يَرْفَعُ طَرَفًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يُقْضَى، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَقُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ قَالُوا: قُلْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَمَا اسْمِي إذَنْ كَلًّا إنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، فَأَقْبَلُوا إلَيْهِ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: وَاَللَّهِ مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إلَّا الضِّنَّ بِرَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذُرَانِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
٣٤٤٥ - (وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: «ذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْت: أَنَا أُمُّ هَانِئِ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا يَا أُمَّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ يُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ بْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ، قَالَتْ: وَذَلِكَ ضُحًى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ قَالَتْ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَجَرْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي، فَأْدْخَلْتُهُمَا بَيْتًا وَأَغْلَقْتُ عَلَيْهِمَا بَابًا، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ، فَتَفَلَّتَ عَلَيْهِمَا بِالسَّيْفِ. وَذَكَرَتْ حَدِيثَ أَمَانِهِمَا» )
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَا جَاءَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ هَلْ هُوَ عَنْوَةٌ أَوْ صُلْحٌ]
قَوْلُهُ: (عَلَى إحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْمُجَنَّبَةُ بِفَتْحِ النُّونِ: الْمُقَدِّمَةُ وَالْمُجَنَّبَتَانِ بِالْكَسْرِ: الْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَةُ انْتَهَى. فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ الزُّبَيْرَ إمَّا عَلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ الْمَيْمَنَةِ وَخَالِدًا عَلَى الْأُخْرَى
قَوْلُهُ: (عَلَى الْحُسَّرِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا ثُمَّ رَاءٍ جَمْعُ حَاسِرٍ: وَهُوَ مَنْ لَا سِلَاحَ مَعَهُ قَوْلُهُ: (فِي كَتِيبَتِهِ) هِيَ الْجَيْشُ قَوْلُهُ: (وَبَّشَتْ قُرَيْشُ أَوْبَاشَهَا) الْأَوْبَاشُ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ: الْأَخْلَاطُ وَالسَّفَلَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ قُرَيْشًا جَمَعَتْ السَّفَلَةَ مِنْهَا قَوْلُهُ
: (اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ) أَيْ اُصْرُخْ بِهِمْ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: هَتَفَتْ الْحَمَامَةُ تَهْتِفُ: صَاتَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute