عَلَيْهِمْ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّه وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَك وَذِمَّةَ أَصْحَابِك، فَإِنَّكُمْ إنْ تُخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ وَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّه أَمْ لَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَاب الدَّعْوَة قَبْلَ الْقِتَال]
(وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ لَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنْ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، بَلْ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَفِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ وَمِنْ التَّمْثِيلِ) . حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " إلَّا دَعَاهُمْ " يُخَالِفُ حَدِيثَ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ» . قَوْلُهُ: (أَوْ سَرِيَّةٍ) هِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْجَيْشِ تَنْفَصِلُ عَنْهُ ثُمَّ تَعُودُ إلَيْهِ، وَقِيلَ: هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ الْخَيْلِ زُهَاءَ أَرْبَعِمِائَةٍ، كَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ. وَسُمِّيَتْ سَرِيَّةً لِأَنَّهَا تَسْرِي لَيْلًا عَلَى خُفْيَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَغُلُّوا) بِضَمِّ الْغَيْنِ: أَيْ لَا تَخُونُوا إذَا غَنِمْتُمْ شَيْئًا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَهُوَ ضِدُّ الْوَفَاءِ. قَوْلُهُ: (وَلِيدًا) هُوَ الصَّبِيُّ. قَوْلُهُ: (فَادْعُهُمْ) وَقَعَ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ: " ثُمَّ اُدْعُهُمْ " قَالَ عِيَاضٌ: الصَّوَابُ إسْقَاطُ ثُمَّ، وَقَدْ أَسْقَطَهَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْخِصَالِ الثَّلَاثِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إنَّ " ثُمَّ " دَخَلَتْ لِاسْتِفْتَاحِ الْكَلَامِ.
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلْإِمَامِ إذَا أَرْسَلَ قَوْمَهُ إلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ وَنَحْوِهِمْ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقِتَالِ كَالْغُلُولِ وَالْغَدْرِ وَالْمُثْلَةِ وَقَتْلِ الصِّبْيَانِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ دُعَاءِ الْكُفَّارِ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْمُقَاتَلَةِ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الدُّعَاءِ لِلْكُفَّارِ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْهَادَوِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ مَعَهُمْ. وَالْمَذْهَب الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجِب مُطْلَقًا، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ دَلِيلُ مَنْ قَالَ بِهِ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجِبُ لِمَنْ لَمْ تَبْلُغهُمْ الدَّعْوَةُ وَلَا يَجِبُ إنْ بَلَغَتْهُمْ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute