فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ أَسْآرِ الْبَهَائِمِ]
الْحَدِيثُ لَهُ أَلْفَاظٌ هَذَا أَحَدُهَا. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مِنْهَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ فِي الْوُلُوغِ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْقُلَّتَيْنِ تَقَدَّمَ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ أَسْآرِ الْبَهَائِمِ لِمَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (إذَا وَلَغَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُقَالُ: وَلَغَ يَلَغُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، إذَا شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ فِيهِ فَحَرَّكَهُ، قَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَائِعٍ فَيُحَرِّكُهُ، زَادَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ: شَرِبَ، أَوْ لَمْ يَشْرَبْ قَالَ مَكِّيُّ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَائِعٍ يُقَالُ: لَعِقَهُ.
قَوْلُهُ: (فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ) ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي الْآنِيَةِ وَهُوَ يُخْرِجُ مَا كَانَ مِنْ الْمِيَاهِ فِي غَيْرِ الْآنِيَةِ، وَقِيلَ: أَصْلُ الْغُسْلِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَهُوَ النَّجَاسَةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِنَاءِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: ذِكْرُ الْإِنَاءِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ لَا لِلتَّقْيِيدِ. قَوْلُهُ: (فَلْيُرِقْهُ) قَالَ النَّسَائِيّ: لَمْ يَذْكُرْ فَلْيُرِقْهُ غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: تَفَرَّدَ بِذِكْرِ الْإِرَاقَةِ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ حَسَّنَ الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيثَ الْإِرَاقَةِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِزِيَادَةِ: «أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» كَمَا سَيَأْتِي.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ لُعَابِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَحَمَلُوا حَدِيثَ السَّبُعِ عَلَى النَّدْبِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ الرَّاوِي لِلْغُسْلِ سَبْعًا، فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ السَّبْعِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِأَصْلِ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِتَأْوِيلِ الرَّاوِي وَتَخْصِيصِهِ وَنَسْخِهِ، وَغَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأُصُولِ الْجُمْهُورِ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَفْتَى بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ نَدْبِيَّةَ السَّبْعِ لَا وُجُوبَهَا أَوْ أَنَّهُ نَسِيَ مَا رَوَاهُ. وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْغَسْلِ سَبْعًا، وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ مُوَافِقَةَ فُتْيَاهُ لِرِوَايَتِهِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ مُخَالَفَتَهَا مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ فَالْمُوَافَقَةُ وَرَدَتْ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ، وَالْمُخَالَفَةُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمُلْكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْقُوَّةِ بِكَثِيرٍ، قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.
وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ فَظَاهِرٌ. وَأَيْضًا قَدْ رَوَى التَّسْبِيعَ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَا يَكُونُ مُخَالَفَةُ فُتْيَاهُ قَادِحَةً فِي مَرْوِيِّ غَيْرِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ جُمْلَةِ أَعْذَارِهِمْ عَنْ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute