بَيْنَ الْقُبُورِ فَقَالَ: يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ) .
بَاب الدَّفْنِ لَيْلًا
١٤٨٠ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَاتَ إنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا؛ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟ قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا، وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ، فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَدُفِنَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلًا)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ آدَابِ الْجُلُوسِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَشْيِ فِيهَا]
حَدِيثُ الْبَرَاءِ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ، وَرِجَالُ إسْنَادِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ عَلَى كَلَامٍ فِي الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو وَشَيْخِهِ زَاذَانَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ بَشِيرٍ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ، وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إلَّا خَالِدَ بْنَ نُمَيْرٍ فَإِنَّهُ يَهِمُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ: (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْجُلُوسِ لِمَنْ كَانَ مُنْتَظِرًا دَفْنَ الْجِنَازَةِ.
قَوْلُهُ: (لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى التَّحْرِيمِ، وَالْمُرَادُ بِالْجُلُوسِ الْقُعُودُ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إنَّمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَنْ جَلَسَ عَلَى قَبْرٍ يَبُولُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَغَوَّطُ فَكَأَنَّمَا جَلَسَ عَلَى جَمْرَةٍ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ وَمُخَالَفَةُ الصَّحَابِيِّ لِمَا رَوَى لَا تُعَارِضُ الْمَرْوِيَّ قَوْلُهُ: (لَا تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُلُوسِ الْقُعُودُ، وَفِيهِ بَيَانُ عِلَّةِ الْمَنْعِ مِنْ الْجُلُوسِ: أَعْنِي التَّأَذِّي قَوْلُهُ: (السِّبْتِيَّتَيْنِ) قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ. وَالْمُرَادُ بِهَا جُلُودُ الْبَقَرِ وَكُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا السِّبْتِيَّةُ أَخْذًا مِنْ السِّبْتِ وَهُوَ الْحَلْقُ؛ لِأَنَّ شَعْرَهَا قَدْ حُلِقَ عَنْهَا
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقُبُورِ بِالنَّعْلَيْنِ وَلَا يَخْتَصُّ عَدَمُ الْجَوَازِ بِكَوْنِ النَّعْلَيْنِ سِبْتِيَّتَيْنِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَجُوزُ وَطْءُ الْقُبُورِ بِالنِّعَالِ الَّتِي لَيْسَتْ سِبْتِيَّةً لَحَدِيثِ «إنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ» وَخُصَّ الْمَنْعُ بِالسِّبْتِيَّةِ وَجُعِلَ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الْمَيِّتِ لِخَفْقِ النِّعَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْيُ عَلَى قَبْرٍ أَوْ بَيْنَ الْقُبُورِ فَلَا مُعَارَضَةَ وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّ النَّهْيَ عَنْ السِّبْتِيَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخُيَلَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute