بَابُ ذَمِّ مَنْ حَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ
٣٩٤٤ - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَقِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا، قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ ذَمِّ مَنْ حَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ]
قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ: (أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي) قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ إطْلَاقَ اسْمِ الصَّحَابِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاطِنِهِ مِنْ عِلْمِ الِاصْطِلَاحِ قَوْلُهُ: (الْجَابِيَةُ) بِالْجِيمِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: هُوَ حَوْضٌ ضَخْمٌ، وَالْجَمَاعَةُ، وَقَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ. وَبَابُ الْجَابِيَةِ مِنْ أَبْوَابِهَا انْتَهَى. وَالْمُرَادُ هُنَا الْقَرْيَةُ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ) رَتَّبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُشُوَّ الْكَذِبِ عَلَى انْقِرَاضِ الثَّالِثِ. فَالْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ إلَى الْقِيَامَةِ قَدْ فَشَا فِيهِمْ الْكَذِبُ بِهَذَا النَّصِّ
فَعَلَى الْمُتَيَقِّظِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ عَالِمٍ أَنْ يُبَالِغَ فِي تَعَرُّفِ أَحْوَالِ الشَّهَادَةِ وَالْمُخْبِرِينَ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ الصِّدْقَ لِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ وَكُلَّ خَبَرٍ قَدْ دَخَلَهُ الِاحْتِمَالُ وَمَعَ دُخُولِ الِاحْتِمَالِ يَمْتَنِعُ الْقَبُولُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ صِدْقِ الْمُخْبِرِ وَالشَّاهِدِ بِأَيِّ دَلِيلٍ. وَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَتَجَارَأُ عَلَى الْكَذِبِ وَيُجَازِفُ فِي أَقْوَالِهِ. وَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَمْ يُقْبَلْ الْمَجْهُولُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ مَلَكَةٌ، وَالْمَلَكَاتُ مَسْبُوقَةٌ بِالْعَدَمِ فَمَنْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، لِأَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ. وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ مَانِعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.
وَفِي الْحَدِيثِ التَّوْصِيَةُ بِخَيْرِ الْقُرُونِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. وَقَدْ وَعَدْنَا أَنْ نَذْكُرَ هَهُنَا طَرَفًا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ مُعَارَضَةِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَفْضَلِيَّةِ الصَّحَابَةِ فَنَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ أَعْلَمَ صَاحِبَ الْحَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute