يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ فَعَلْت فَاكْتُبْ لَإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ إقْطَاعِ الْأَرَاضِي]
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِيهِ مَقَالٌ، وَهُوَ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ، وَحَسَّنَ إسْنَادَهُ الْحَافِظُ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «أَزِيدُكَ أَزِيدُكَ» مَرَّتَيْنِ
وَحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ.
وَحَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِ أَحْمَدَ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي بَابِ الْإِقْطَاعِ مِنْ مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ مَعَ أَنَّهُ يَذْكُرُ كُلَّ حَدِيثٍ لِأَحْمَدَ خَارِجٍ عَنْ الْأُمَّهَاتِ السِّتِّ قَوْلُهُ: (مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ. . . إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَرْضُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْخُمُسِ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ نَخْلًا» قَوْلُهُ: (حُضْرَ فَرَسِهِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: وَهُوَ الْعَدْوُ. قَوْلُهُ: (وَبَعَثَ مُعَاوِيَةَ) أَيْ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (لِيُقْطِعَ لَهُمْ الْبَحْرَيْنِ) قَالَ الْخَطَّابِيِّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَوَاتَ مِنْهَا لِيَتَمَلَّكُوهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْعَامِرَ مِنْهَا لَكِنْ فِي حَقِّهِ مِنْ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَرَكَ أَرْضَهَا فَلَمْ يَقْسِمْهَا
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَضُرِبَتْ عَلَى أَهْلِهَا الْجِزْيَةُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّهُمْ بِتَنَاوُلِ جِزْيَتِهَا، وَبِهِ جَزَمَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَوَجَّهَهُ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّ أَرْضَ الصُّلْحِ لَا تُقْسَمُ فَلَا تُمَلَّكُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ الْأَنْصَارَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، أَمَّا النَّاجِزُ يَوْمَ عَرَضَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا صَالَحُوا عَلَيْهَا وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ الْفُتُوحُ فَخَرَاجُ الْأَرْضِ أَيْضًا، وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي عِدَّةِ أَرَاضٍ بَعْدَ فَتْحِهَا وَقَبْلَ فَتْحِهَا مِنْهَا إقْطَاعُهُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ بَيْتَ إبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا فُتِحَتْ فِي عَهْدِ عُمَرَ نَجَّزَ ذَلِكَ لِتَمِيمٍ، وَاسْتَمَرَّ فِي أَيْدِي ذُرِّيَّتِهِ مِنْ ابْنَتِهِ رُقَيَّةَ وَبِيَدِهِمْ كِتَابٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهِمَا
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ذَلِكَ) يَعْنِي: بِسَبَبِ قِلَّةِ الْفُتُوحِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ بَطَّالٍ فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ فِعْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْطَعَ الْمُهَاجِرِينَ أَرْضَ بَنِي النَّضِيرِ قَوْلُهُ: (أَثَرَةً) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ إلَى مَا وَقَعَ مِنْ اسْتِئْثَارِ الْمُلُوكِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى الْأَنْصَارِ بِالْأَمْوَالِ، وَالتَّفْضِيلِ بِالْعَطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ، وَفِيهِ مَا كَانَتْ فِيهِ الْأَنْصَارُ مِنْ الْإِيثَارِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَمَا وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] وَأَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إقْطَاعُ الْأَرَاضِي وَتَخْصِيصُ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute