للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: " قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ " ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا فِي حَدِيثِ يَعْلَى الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلِهِ: كَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إنْسَانًا " وَسَيَأْتِي الْجَمْعُ.

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ مَنْ عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَهَا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ]

قَوْلُهُ: (عَضَّ يَدَ رَجُلٍ) فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " عَضَّ ذِرَاعَ رَجُلٍ " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: (فَعَضَّ أُصْبُعَ صَاحِبِهِ) وَقَدْ جُمِعَ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ. وَقِيلَ: رِوَايَةُ الذِّرَاعِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصْبَغ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ كَمَا حَقَّقَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (ثَنِيَّتَاهُ) هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْكُشْمَيْهَنِيِّ " ثَنَايَاهُ " بِصِيغَةِ الْجَمْعِ.

وَفِي رِوَايَةٍ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ يَعْلَى، وَيُجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ أُرِيدَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ الْجِنْسُ وَجَعْلُ صِيغَةِ الْجَمْعِ مُطَابِقَةً لِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ إطْلَاقَ صِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَى الْمُثَنَّى، وَلَكِنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " إحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِالْإِفْرَادِ، وَالْجَمْعُ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ: (فَاخْتَصَمُوا) فِي رِوَايَةٍ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.

قَوْلُهُ: (يَعَضُّ أَحَدُكُمْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا ضَادٌ مُعْجَمَةٌ مُشَدَّدَةٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ عَضِضَ بِكَسْرِ الضَّادِ الْأُولَى يَعْضَضُ بِفَتْحِهَا ثُمَّ أُدْغِمَتْ وَنُقِلَتْ الْحَرَكَةُ الَّتِي عَلَيْهَا إلَى مَا قَبْلَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْفَحْلِ الذَّكَرُ مِنْ الْإِبِلِ. قَوْلُهُ: (فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) لَمْ يُصَرِّحْ بِالْفَاعِلِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَاتَلَ رَجُلًا فَعَضَّ يَدَهُ، وَيَعْلَى هُوَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَاسْتَبْعَدَ الْقُرْطُبِيُّ وُقُوعَ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ يَعْلَى. وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْضُوضَ يَعْلَى.

وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِنْهُ أَنَّ الْمَعْضُوضَ أَجِيرُ يَعْلَى.

وَقَدْ رَجَّحَ الْحَافِظُ أَنَّ الْمَعْضُوضَ أَجِيرُ يَعْلَى. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَتَا لِيَعْلَى وَلِأَجِيرِهِ فِي وَقْتٍ أَوْ وَقْتَيْنِ. وَقَدْ تَعَقَّبَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَلَا غَيْرِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَعْلَى هُوَ الْمَعْضُوضُ لَا صَرِيحًا وَلَا إشَارَةً، قَالَ: فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ يَعْلَى هُوَ الْعَاضُّ انْتَهَى. وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ يَعْلَى الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ مِنْ أَنَّ الْمُقَاتَلَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ أَجِيرِهِ وَإِنْسَانٍ آخَرَ، فَلَا بُدّ مِنْ الْجَمْعِ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ كَمَا سَلَفَ. قَوْلُهُ: (فَأَنْدَرَ) بِالنُّونِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ: أَيْ أَزَالَ ثَنِيَّتَهُ.

قَوْلُهُ: (تَقْضَمُهَا) بِسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ. وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنْهُ كَالْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا شَابَهَهَا فَلَا قِصَاصَ وَلَا أَرْشَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ الْمَعْضُوضُ مَثَلًا مِنْ إطْلَاقِ يَدِهِ أَوْ نَحْوِهَا بِمَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَضُّ مِمَّا يَتَأَلَّمُ بِهِ الْمَعْضُوضُ، وَظَاهِرُ الدَّلِيلِ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّقْيِيدِ بِالْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُهْدَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>