للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَنْ عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَهَا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ

٣٠١٥ - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ فَاخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ يَدَ أَخِيهِ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَك» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد

٣٠١٦ - وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: «كَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَانْتَزَعَ أُصْبُعَهُ فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ فَسَقَطَتْ فَانْطَلَقَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ وَقَالَ: أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

ــ

[نيل الأوطار]

نَصُّ الْقُرْآنِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَسْرًا لَا قَلْعًا، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْرَفَ مِقْدَارُ الْمَكْسُورِ. وَيُمْكِنَ أَخْذُ مِثْلِهِ مِنْ سِنِّ الْكَاسِرِ فَيَكُونَ الِاقْتِصَاصُ بِأَنْ تُبْرَدَ سِنُّ الْجَانِي إلَى الْحَدِّ الذَّاهِبِ مِنْ سِنِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ، وَحُكِيَ عَنْ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ الَّذِي لَيْسَ بِسِنٍّ، لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مُتَعَذِّرَةٌ لِحَيْلُولَةِ اللَّحْمِ وَالْعَصَبِ وَالْجِلْدِ.

قَالَ الطَّحَاوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي عَظْمِ الرَّأْسِ فَيُلْحَقُ بِهِ سَائِرُ الْعِظَامِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ حَدِيثَ الْبَابِ فَيَكُونُ فَاسِدَ الِاعْتِبَارِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْقِصَاصِ فِي الْعَظْمِ مُطْلَقًا إذَا كُسِرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ: أَيْ قَلَعَتْهَا وَهُوَ تَعَسُّفٌ. قَوْلُهُ: (لَا وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ. . . إلَخْ) قِيلَ: لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْقَوْلِ رَدَّ حُكْمِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّعْرِيضَ بِطَلَبِ الشَّفَاعَةِ، وَقِيلَ: إنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ أَوْ الْعَفْوَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَجَمِيعُ مَا قِيلَ لَا يَخْلُو مِنْ بُعْدٍ، وَلَكِنَّهُ يُقَرِّبُهُ مَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِمَّنْ أَبَرَّ اللَّهُ قَسَمَهُ، وَلَوْ كَانَ مُرِيدًا بِيَمِينِهِ رَدَّ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ لَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِأَوْجَعِ الْقَوْلِ وَأَفْظَعِهِ قَوْلُهُ: (كِتَابُ اللَّهِ) الْأَشْهَرُ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَالْقِصَاصُ خَبَرُهُ، وَيَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ كَمَا فِي {صِبْغَةَ اللَّهِ} [البقرة: ١٣٨] وَ {وَعْدَ اللَّهِ} [الروم: ٦] وَيَكُونُ الْقِصَاصُ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَأَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] وَقِيلَ: إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: ٤٥] وَهُوَ الظَّاهِرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>