للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَائِل بَيْن الْإِمَام وَالْمَأْمُوم

١١٤٦ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ لَنَا حَصِيرَةٌ نَبْسُطُهَا بِالنَّهَارِ، وَنَحْتَجِزُ بِهَا بِاللَّيْلِ، فَصَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ قِرَاءَته فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ كَثُرُوا فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اكْلَفُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

ــ

[نيل الأوطار]

لَا يُمْكِن الْمُؤْتَمّ الْعِلْم بِأَفْعَالِ الْإِمَام فَهُوَ مَمْنُوع لِلْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْر فَرْق بَيْن الْمَسْجِد وَغَيْره، وَإِنْ كَانَ دُون ذَلِكَ الْمِقْدَار فَالْأَصْل الْجَوَاز حَتَّى يَقُوم دَلِيل عَلَى الْمَنْع. وَيُعَضِّد هَذَا الْأَصْل فِعْل أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُور وَلَمْ يُنْكَر عَلَيْهِ

قَوْله: (فَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ) لَمْ يَذْكُر الْقِيَام بَعْد الرُّكُوع فِي هَذِهِ الرِّوَايَة، وَكَذَا لَمْ يَذْكُر الْقِرَاءَة بَعْد التَّكْبِير وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَة لَهُ عَنْ سُفْيَان عَنْ أَبِي حَازِم، وَلَفْظه: " كَبَّرَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى - وَالْقَهْقَرَى بِالْقَصْرِ: الْمَشْي إلَى خَلْف، وَالْحَامِل عَلَيْهِ الْمُحَافَظَة عَلَى اسْتِقْبَال الْقِبْلَة.

وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى جَوَاز الْعَمَل فِي الصَّلَاة وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقه. قَوْله: (وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي) بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَتَشْدِيد اللَّام، وَفِيهِ أَنَّ الْحِكْمَة فِي صَلَاته فِي أَعْلَى الْمِنْبَر أَنْ يَرَاهُ مَنْ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا صَلَّى عَلَى الْأَرْض قَوْله: (أَنَّهُ كَانَ يَجْمَع. . . إلَخْ) فِيهِ جَوَاز كَوْن الْمُؤْتَمّ فِي مَكَان فِي خَارِج الْمَسْجِد. قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَصِحّ كَوْن الْمُؤْتَمّ فِي دَاره وَالْإِمَام فِي الْمَسْجِد إنْ كَانَ يَرَى الْإِمَام أَوْ الْمُعَلِّم وَلَمْ يَتَعَدَّ الْقَامَة انْتَهَى.

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَائِل بَيْن الْإِمَام وَالْمَأْمُوم]

الْحَدِيث قَدْ تَقَدَّمَ نَحْوه عَنْ عَائِشَةَ عِنْد الْبُخَارِيِّ فِي بَاب انْتِقَال الْمُنْفَرِد إمَامَا فِي النَّوَافِل. وَفِيهِ تَصْرِيح بِأَنَّهُ كَانَ بَيْنه وَبَيْنهمْ جِدَار الْحُجْرَة. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْو الْحَدِيث أَيْضًا عَنْهَا فِي بَاب صَلَاة التَّرَاوِيح، وَفِيهِ: «أَنَّهَا قَالَتْ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْصِبَ لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي» وَقَوْله: (اكْلَفُوا مِنْ الْأَعْمَال) إلَى آخِر الْحَدِيث هُوَ عِنْد الْأَئِمَّة السِّتَّة مِنْ حَدِيثهَا بِلَفْظِ: «وَخُذُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» وَالْمَلَال: الِاسْتِثْقَال مِنْ الشَّيْء وَنُفُور النَّفْس عَنْهُ بَعْد مَحَبَّته، وَهُوَ مُحَال عَلَى اللَّه تَعَالَى، فَإِطْلَاقه عَلَيْهِ مِنْ بَاب الْمُشَاكَلَة نَحْو {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] وَهَذَا أَحْسَن مَحَامِله.

وَفِي بَعْض طُرُقه عَنْ عَائِشَةَ «فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنْ الثَّوَاب حَتَّى تَمَلُّوا مِنْ الْعَمَل» أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيره، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: إنَّ اللَّه لَا يَمَلّ أَبَدَا، مَلِلْتُمْ أَمْ لَمْ تَمَلُّوا، مِثْل قَوْلهمْ: حَتَّى يَشِيب الْغُرَاب. وَقِيلَ: إنَّ مَعْنَاهُ: إنَّ اللَّه لَا يَقْطَع عَنْكُمْ فَضْله حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَالَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>