رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» أَخْرَجَاهُ هُمَا وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي لَفْظٍ «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ عَقَدَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ. وَزَادَ قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحِلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَا جَاءَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَالشَّكِّ]
قَوْلُهُ: (إذَا رَأَيْتُمُوهُ) أَيْ الْهِلَالَ هُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ لَهِلَالِ رَمَضَانَ: إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا» وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَظَاهِرُهُ إيجَابِ الصَّوْمِ حِينَ الرُّؤْيَةِ مَتَى وُجِدَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِ الْيَوْمِ الْمُسْتَقْبِلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي النَّهْيِ عَنْ ابْتِدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيَدْخُلُ فِيهِ صُورَةُ الْغَمِّ وَغَيْرُهَا. وَلَوْ وَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ لَكَفَى ذَلِكَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ لَكِنَّ اللَّفْظَ الَّذِي رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَوْقَعَ لِلْمُخَالِفِ شُبْهَةً وَهُوَ قَوْلُهُ: " فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ' " فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الصَّحْوِ؛ وَالْغَيْمِ فَيَكُونُ التَّعْلِيقُ عَلَى الرُّؤْيَةِ مُتَعَلِّقًا بِالصَّحْوِ، وَأَمَّا الْغَيْمُ فَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَفْرِقَةَ وَيَكُونُ الثَّانِي مُؤَكِّدًا لِلْأَوَّلِ وَإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " فَاقْدُرُوا لَهُ " أَيْ قَدِّرُوا أَوَّلَ الشَّهْرِ وَاحْسُبُوا تَمَامَ الثَّلَاثِينَ وَيُرَجِّحُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُصَرِّحَةَ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ غُمَّ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: أَيْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمْ سَحَابٌ أَوْ نَحْوُهُ.
قَوْلُهُ: (فَاقْدُرُوا لَهُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ: قَدَرْتُ الشَّيْءَ أَقْدِرُهُ، وَأَقْدُرُهُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَقَدَّرْتُهُ وَأَقْدَرْتُهُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهِيَ مِنْ التَّقْدِيرِ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيِّ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: فَاقْدُرُوا لَهُ تَمَامَ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا لَا كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ إنَّ مَعْنَاهُ فَذَرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي رَدِّ ذَلِكَ الرِّوَايَاتِ الْمُصَرِّحَةِ بِالثَّلَاثِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: ابْنُ شُرَيْحُ وَمُطَرَّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَصِحُّ عَنْ مُطَرَّفٍ وَأُمَّا ابْنُ قُتَيْبَةَ فَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يَعْرُجُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ أَنَّ قَوْلَهُ فَاقْدُرُوا لَهُ خِطَابٌ لَمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذَا الْعِلْمِ. وَقَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute